كان ارتكاب الخطأ في سنوات قريبة مضت يُغلف بشيء من الحياء.. والخجل.. والخوف.. وأي شخص يقع في المحذور أو المستنكر.. يظل خائفاً .. وقلقاً.. وغير قادر على مواجهة ما اقترفه بقوة ودون وازع ضمير.. اليوم اختلف كل شيء .. وأريق ماء الوجه عند الأغلب.. وأصبح كل شيء مرتبطاً بالفلوس.. ومقدارها.. من أصغر شيء.. إلى أكبر شيء.. إلا ما رحم ربي!!. إلى وقت قريب كانوا يسمون (الرشوة) حق ابن هادي .. ومن كان يفرضها أو يتقاضاها يلجأ إلى استخدام أساليب عديدة فيها كثير من التودد لينال ما يريده.. وعلى استحياء شديد.. ولم تكن حق إبن هادي منتشرة .. فنادراً ما تظهر.. وإذا ما كُشف صاحبها أخذ حقه من التقريع والتوبيخ والبهذلة!. الآن .. ابن هادي تحول إلى سارق ومبهرر.. كما يقولون في المثل.. فمطلوب أن تدفع وإلاّ يا ويلك ويا سواد يومك!. تدخل وزارة .. كالمالية .. أو الخدمة مثلاً .. تجد من ينتظرك ليبتزك .. عيني عينك .. وبوقاحة ليس لها نظير!. تكمل معاملة ترخيص بناء.. أو فتح مكتب.. أو إنشاء مشروع استثماري.. أو تعليق لوحات إعلانية كما حدث في أحد المكاتب المختصة بإحدى المحافظات يوم أمس.. ومع ذلك يأتي مختص صغير جداً ويلغي كل شيء في غمضة عين.. ويتحدى النظام والقانون بصورة غريبة جداً.. والسبب أن (المعلوم) لم يصل إلى الجيب!. تذهب إلى منشأة حكومية خدمية.. الأشغال.. الصحة.. التجارة.. الكهرباء.. المياه.. وغيرها.. يترصدك حمران العيون.. بداية بأصغر موظف.. ونهاية بالكبير كبير.. وإذا ما كان الكبير صاحب أسلوب خاص في إيصال الرسالة.. فإن الصغير صاحب أسلوب (نتن).. فكل شيء سيتحول في وجه أي معامل إلى لون السواد في لحظات إذا لم يدخل يده إلى جيبه ويتلحّّّّّّّلح!!. تقودك الأقدار إلى قسم شرطة.. فتحاصرك النظرات ويبدأ بعض الأشاوس.. أو من يكبرونهم في الرتبة في رحلة العدّّ إذا ما شعروا بأن الصيد ثمين!!. في الصحة.. حيث لا مجال للبيع والشراء.. ولا لحق ابن هادي.. ولا للرشوة.. ولا للابتزاز.. تخيلوا أن هذا المجال الإنساني البحت طاله الخراب.. وأصبح المريض أو المرافق له محتاج لأن (يرش) ليحظى بالعناية خاصة عند البوابات.. ولدى بعض المختصين في توفير (سرير الرقود) أو (قربة دم). وواحد من الشباب أصيب بتشوه في ساقه بسبب عملية (خطأ) في مستشفى حكومي كبير إثر إصابته بكسر وتهشم بعد حادث مروري.. وإلى اليوم لا يستطيع المشي على رجله.. ولم يجد سريراً يستقبله لإصلاح الخطأ السابق.. وكل محاولاته انتهت بالفشل لأنه لا يملك ما (يرش) وليس له سند ولا ظهر!!. سأختصر .. وأطلب من كل واحد منكم أن يسجل ما يواجهه من مواقف مشابهة اليوم أو غداً منذ أن يغادر منزله وحتى يعود.. وبالتأكيد سيعرف الجميع بحجم الكارثة.. وهو يعدد المواقف التي تعرض فيها للنشل بطريقة رسمية!!. لي سؤال.. ولكم سؤال أيضاً.. يقول: وما هو الحل؟!. أنا مثلكم احترت.. فكمية (سارق ومبهرر) في ازدياد.. إنها تتكاثر.. تتعاظم.. تكاد تغرقنا.. تقضي على ما تبقى من قيم.. ومن أمل!!.