لم تسفك دماء الفلسطينيين منذ سنوات طويلة كما تسفك خلال هذه السنوات، حتى في عز المواجهات بين الفلسطينيين والاسرائيليين لم نشهد مثل هذه الدماء تسيل بين الأشقاء الفلسطينيين، لدرجة تحولت هذه الدماء إلى ماء عند بعض فرقاء الحياة السياسيين، ولم تعد تنفع معهم أية محاولات أو اتفاقيات للتهدئة.. الخلافات بين حركتي فتح وحماس لم تعد ترضي أحداً لا في فلسطين ولا في أي بلد عربي آخر، وهذه الخلافات بدأت تفقد القضية الفلسطينية الكثير من التعاطف والتأييد، فطالما أن أهل القضية يتقاتلون على السلطة والجاه في الشوارع والأزقة؛ فماذا يتوقع الفلسطيني البسيط من تعاون من قبل الخارج؟!. الأحداث الأخيرة التي شهدتها الأراضي التي يحتلها "الحمساويون" في غزة و"الفتحاويون" في رام الله، رغم أنها في الأصل محتلة من قبل الاسرائيليين، أظهرت أن الفلسطينيين ليسوا أمناء على قضيتهم، مهما ادعى كل طرف بأنه على حق والآخر على باطل. لقد وفر الفتحاويون والحمساويون "الأشاوس" على اسرائيل مهمة مواجهة الشعب الفلسطيني والتنكيل بأهله خاصة منذ استيلاء حماس على قطاع غزة قبل عدة سنوات، وصارت اسرائيل تقاتل الفلسطينيين بحركاتهم المقاومة المكلفة بإخراج اسرائيل من الأراضي العربية المحتلة. إن هذا بالضبط ما تريده اسرائيل، أي أن يتقاتل الفلسطينيون بأسلحتهم بشراً وسلاحاً، فبدلاً من أن يوجّه الفلسطينيون أسلحتهم إلى العدو صاروا يوجهونه إلى صدور بعضهم البعض، وصار الدم المهدور يسفك في شوارع غزةورام الله وخان يونس وبيت لحم وغيرها من المناطق الفلسطينية من دون رحمة أو شفقة. ولم نشهد في أي وقت سابق مثل هذه الأعمال بين أبطال المقاومة من خطف لقادة ينتمون إلى الحركتين والتهديد بقتلهم كما نرى اليوم بين الجانبين. لقد سأم العرب من كثرة المبادرات التي تحاول احتواء الخلافات بين حركتي حماس وفتح، بدءاً من القاهرة، مروراً بالمملكة العربية السعودية وصنعاء وانتهاء بدول إفريقية عدة، إلا أن هذه المبادرات لم تفلح في وقف النزيف الفلسطيني الذي بات رخيصاً لدى صقور الحركتين. إنني صرت متشائماً حيال أية دعوة للجم العنف القائم اليوم في الأراضي الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس، وأخشى أن يكون قد فات الأوان لأي تحرك عربي لرأب الصدع بين المتناحرين الذين يتقاتلون على مساحة من الأرض ليست محررة بعد، وأخشى أن يأتي يوم يقضي فيها الأبطال الأشاوس على أنفسهم بأنفسهم.