على الرغم من خطورة الجوع على الكثير من سكان الأرض وبالرغم من التحذيرات المتزايدة من تفاقم هذه المشكلة بذاتها، أو بتبعاتها الكثيرة التي تعتبر سبباً قوياً للصراعات والحروب، فإن تعاطي العالم مع الجوع يتم بصورة مغلوطة من ناحية، وبجهل من ناحية أخرى. أكثر البلدان المهددة بالجوع والتي تعاني من هذه المشكلة في الوقت الراهن هي مجموعة دول أفريقية، بعض هذه الدول تعاني من الجفاف وهو السبب الأول لحدوث المجاعات ومن ثم الحروب الأهلية والقبلية التي تستنزف الطاقات البشرية والمادية، وعندما يحدث هذا يكون على حساب العمل والإنتاج، وتكون المشكلة بأسوأ صورها ونتائجها عندما يجتمع الجفاف والحرب في آن واحد، وهذا ما يحدث غالباً في أفريقيا لدرجة أن سكان بعض تلك الدول يحاربون بعضهم وجيرانهم أكثر مما يعملون في مجالات العمل والبناء والزراعة والإنتاج.. هؤلاء يوصفون بأنهم أعداء أنفسهم وبأنهم يجيدون صناعة الجوع والموت بحق مجتمعاتهم.. وفي مقابل هذا هناك مجموعة دول أخرى في أفريقيا لا مشكلة لديها فيما يتعلق بوفرة المياه اللازمة لإنتاج الغذاء، ولكن المشكلة في علاقة سكان تلك الدول بالعمل وربما في التوجه العام لإنتاج الغذاء من قبل السلطات الحاكمة هناك، حيث لا يمكن أن يجتمع الجوع والعمل في وجود مقومات الإنتاج الغذائي وأهم تلك المقومات مياه الأنهار وارتفاع معدلات سقوط الأمطار، ومع هذا تبقى مشكلة الجوع حاضرة بقوة في تلك الدول، الأمر الذي يجعلنا نقول إن التوجه العام لا يضع إنتاج الغذاء ضمن الأولويات في سياسات تلك الدول وهو أمر مستغرب للغاية. الأحاديث عن مكافحة الجوع لا معنى لها إذا لم تتحول إلى عمل جاد ومثمر، وهذا هو الحاصل في كثير من الدول ضمن برامجها الداخلية، وفي العلاقات الدولية التي تحمل لافتات المعونات والمساعدات المخصصة لمكافحة الجوع أو للتقليل من مشكلة نقص الغذاء في الدول الفقيرة، وفي واقع الحال فإن دعم الصراعات المسلحة في الدول الفقيرة أكثر من دعم مشاريع التنمية ومكافحة الفقر والجوع.. هذا الدعم تقدمه الدول الكبرى أو الغنية وبالتالي فإنها تقدم مقابل الطن الواحد من القمح عشرات الأطنان من القذائف والمتفجرات، وهذا ما يفسر كثرة الصراعات والحروب على النحو الذي نشاهده في الدول الفقيرة التي تعاني نقصاً حاداً في الغذاء لإطعام سكانها بينما لا تواجه مشكلة في وفرة معدات الدمار والحرب، وحتى الدعم العسكري الذي تقدمه بعض الدول الفقيرة لأطراف الحرب في دول أخرى ربما تكون مجاورة لها إنما يمر بواسطتها في طريق الوصول إلى هذا الطرف أو ذاك ومصدره واحد من دول المصالح الكبرى أو من تنوب عنها من الدول الأخرى. بصفة عامة عالمية فإن الإنفاق على إنتاج الغذاء يبقى دون المستوى المطلوب لمكافحة الجوع ودون مستوى الأحاديث عن هذه المشكلة والتحذيرات من تفاقهما، والدليل أن ما ينفق على الحروب ودعم الصراع يمكن أن يحل مشكلة الجفاف والمجاعات في الدول التي تعاني من هذه المشكلات ويمكن أن يعالج الخلل القائم حالياً بين عدد السكان وكمية الغذاء في الدول التي تعاني منه.. وفي المحصلة النهائية لا يمكن القول إن موارد الأرض لا تكفي لسكانها رغم كل الزيادة والنمو السكاني المتسارع. وإنما المشكلة الكبرى تكمن في توزيع الموارد واستغلالها وفي مجالات استنزافها خارج ميزان العدالة العالمية وصولاً إلى علاقة الفرد بما يملك وكيف ينفقه؟ ولحل مشكلة الغذاء لا نحتاج إلى عالم مثالي خالص، ولكن بالعمل وبالاستغلال الأمثل للمتاح من موارد الإنتاج وبالحد المعقول من العدالة في التوزيع والتعامل بين الناس ونبذ الخلافات والصراعات.