ثمة اعتقاد جازم لدى كل الأوساط بأن الثقافة الاجتماعية قد أفرغت من دورها وفاعليتها ومفاهيمها وقيمها، وتحولت إلى معطى أو مدخل اجتماعي مشوّه يتمدد بين التلميع والترقيع والعبث والعنف والإرهاب.. .. إن دور وقدرة الثقافة في إلجام المجتمع أو تفجيره أو تغييره لا يستهان بها، ولذلك تصبح الثقافة هي المدخل الرئىس القادر على إعادة ترتيب وعي وتفكير وسلوك وتفاعل الفرد والجماعة حسب الطلب، فتنتج عن تلك العملية مخرجات اجتماعية، إما أن تكون أدوات للقمع والعنف والصراع، وإما أدوات للبناء وطاقة ورصيد حيوي للتغيير والتحديث. .. تشكل ثقافة الصمت والسلبية أو العنف والتمرد أكبر مستحوذ على وعينا؛ بينما تكون الاستجابة ضعيفة لثقافة التنوير والتغيير الاجتماعي، مما شكل إعاقة ملموسة للتحديث الاجتماعي، وأرهق الدولة مادياً ومعنوياً وشغلها عن التنمية المطلوبة وتطوير الحياة العامة، وأفقد المجتمع إضافاته وشراكته، واستنفدت طاقاتنا وامكانياتنا في مطاردة خلايا الإرهاب وتعقب الخاطفين للخبراء والسياح، لأن الفرد والجماعة زودت بمدخل ثقافي سلبي تجاه الوطن والمصالح العامة، وفعلت في وعيه ثقافة التلميع والعنف ضد الذات، مما ضاعف من ثقل المهمة اللازمة للتغيير والتحديث الاجتماعي. .. ترسيخ ثقافة التلميع أو الترقيع في وعي الناس لا يخدم النهج الديمقراطي والخيار التعددي في مجتمعنا سواء أكان ذلك من قبل الحزب الحاكم أم المعارضة؛ لأنها تجهض التنمية والتغيير الاجتماعي، وتفقد الاستجابة المطلوبة من قبل الناس، وتنعدم شراكتهم في الحراك السياسي والتنموي، أو الرغبة في تحسين الاختيار واعتماد الأفضل في الأشخاص والمواقف. .. الثقافة السلبية سواء السياسية منها أم الاجتماعية لا تعكس وعياً ديمقراطياً، ولا تساعد على تنامي معدلات التحديث السياسي أو الاجتماعي والانتقال إلى المجتمع الجديد الذي ننشده جميعاً، لأن المفقود في ذلك ثقافة الثواب والعقاب حتى على مستوى الحديث اليومي بين الناس في المقايل والمقاهي والمنتديات. .. ولذلك لابد من إعادة نظر وضبط معايير القيم والمفاهيم الثقافية حتى تصبح أداة إيجابية توجّه إلى الإصلاح وتعمل على رفع مستوى الشعور بالمسئولية لدى الفرد والجماعة. .. خيارنا الديمقراطي بما تلازمه من تعددية سياسية وحرية التعبير واحترام حقوق الإنسان ونشدان العدالة والمساواة بين الناس يحتاج إلى تأصيل ثقافة النقد البناء واستحضار مبدأ الثواب والعقاب في وعي الناس، والتغيير المتدرج، وإشراك الجميع في تحمل مسئولية الانتقال إلى الواقع الاجتماعي الأفضل، تعزيزاً لثقافة التعايش وخدمة لتماسك النسيج الاجتماعي؛ وتأسيساً لحماية المصلحة العامة من العبث واللامبالاة في وعي وتفكير الناس وسلوكهم، حتى لا تتفاقم يوماً ما ثقافة التخريب. .. وعلى هذا فإن الاهتمام بإعادة فرز وبناء الثقافة الاجتماعية وتصحيح ما علق بها من سلبيات أصبح واجباً مقدساً، وعلى الجميع القيام بأمر ذلك الواجب.