على ما يبدو أن مشكلتنا الأساسية المرتبطة بدينامية التحول الديمقراطي في مجتمعنا اليمني ليست في النصوص والأدبيات والتنظير الموازي له، بل في قدرتنا على خلق التغيير الفعلي والحقيقي في وعي وتفكير الإنسان المسؤول في هرم ومؤسسات السلطة والإنسان البسيط في النسيج الاجتماعي.. حتى يؤمن الأول بضرورة وأهمية التحول الديمقراطي المؤسسي الممنهج النافع، ويقتنع الثاني بأن ذلك التحول فرصته ومدخله للحياة الآمنة المستقرة المرفّهة، القائمة على النظام والقانون والعدالة والمساواة واحترام الحقوق وصيانتها. إن التحول الديمقراطي لم يُعد أماني وأحلام يقظة، ولا استجابة لضغوط خارجية، لأن ثمانية عشر عاماً من السير في طريق التحول والانتقال الديمقراطي أصبح بالنسبة لليمنيين جميعاً خياراً نهائياً ليس فيه مجال للتنجيم أو العودة والتقهقر إلى ما قبل ذلك. وعليه فإن خطواتنا وبرامجنا التغييرية للإنسان والواقع المعيشي يجب أن تنطلق في سياق منهجية متلازمة تشكل صدى للظروف والإمكانات ؛ وتستند إلى رؤية شاملة بعيدة المدى، لا أن تكون ردة فعل لموجة مرتدة في الساحة السياسية وكفى. التغيير المستمر والمنظم يعتبر أهم عناصر ومفردات التحول الديمقراطي، ويمتلك القدرة على رفده بمقومات البناء والعطاء والتجدد النوعي والمؤسسي تفكيراً وتخطيطاً وتنفيذاً. ليس ثمة ما يحول دون ظهور نتائج التحول الديمقراطي بواقعية وبيانات ومعلومات صحيحة إلاَّ الفوضى والتخبط الإداري، وافتقاد القائمين على مفردات التحول الإيمان المطلق به، وإخلاصهم له، وتفانيهم في إنجاح خططه ومشاريعه التنموية والسياسية والاقتصادية، وتأصيله وتجذيره في وعي وتفكير وممارسة الفرد والجماعة في اليمن الجديد. إذاً نحن جميعاً متفقون على أهمية وضرورة وحاجة مؤسساتنا الديمقراطية إلى التغيير والتجديد، لكن قبل ذلك علينا أن نتفق بأن يكون ذلك التغيير مجدولاً ومنظماً ومخططاً له مسبقاً، حتى لا يحدث خللاً، ولا يشذ عن سياق التحول الديمقراطي الذي نسعى إليه. ولكي لا تتحول خطواتنا وخططنا وإضافاتنا إلى ما يشبه الترقيع، ونكون بذلك قد عززنا من المنهج الإرضائي والتوفيقي الآني، باعتبار ذلك أمراً لا يخدم التحول الديمقراطي، ولا يساعد في المقابل مؤسسات القرار على الإبداع ومن ثم خدمة المجتمع وتطوير وسائل وأساليب العمل المؤسسي. الحراك السياسي والاجتماعي لا شك حرّك الركود والسكون في وعينا المؤسسي، وشُدت أحزمة المؤسسات الحكومية - بعدما ترهلت - للقيام بمهامها تجاه التحول الديمقراطي والمجتمع معاً، وتم تسليط الضوء على أبعاد كثيرة تأخذ موضوع التغيير بالحسبان ومن ضمنها انتخاب المحافظين. ومع ذلك فالخطوة تلك تحتاج إلى إشاعة الرضا ودفع عجلة التغيير في كل المحافظات دون استثناء، مع احترامي وتقديري للمحافظين المرغوب فيهم رسمياً؛ إلاَّ أن العملية يجب أن تتم بشكل كامل، حتى لا تحدث انتكاسة في وعي الناس وقناعاتهم بأية خطوة تغييرية تتخذ، ودون اللجوء لأشخاص في الحكومة بغية الترقيع بهم. المحافظات اليمنية جميعها تتوافر على رجال مخلصين وكفاءات وقدرات عالية جداً، ومن هؤلاء يمكن الدفع بشخصيات مقبولة ونظيفة، احتراماً لحق الجميع في الاختيار والتغيير، لأن الوقوف عند أشخاص بعينهم يبقي الديمقراطية اليمنية في حالة احتباس ذاتي، لا يخدم التحول النوعي والموضوعي للإنسان والواقع، ولا يؤسس للنهوض الحقيقي لليمن الديمقراطي الجديد.