لا يخفى على أحد كيف هي صورة العرب والمسلمين لدى العرب من قتامة، وسوداوية لبشر همجيين رعاع، يسيطر عليهم الجهل والتخلف، ويوماً عن يوم تزداد الصورة بشاعة وازدراء. فمن أوصل الصورة بهذه الحالة «المهزورة» غير الخطاب الديني التقليدي المأزوم الذي يحرم تعلم لغات الآخرين، وعلومهم، والذي عمل منذ عقود على تكريس كراهية الآخر مع تبني الخطاب المتعصب والعدائي الهمجي الذي هو بعيد عن رسالة الإسلام للبشرية جمعاء، رسالة الإسلام السمحاء الذي صنعت من قوم مستضعفين رجالاً تفتح بهم الأمصار في فترة لا تتجاوز خمسة وعشرين سنة لا بقايا رجال أو أشباه رجال تدمر بهم الحياة، ويغتال الجمال، مفجرين أنفسهم.. يزداد قتامة المشهد وتتوغل الصورة إلى ما لا نهاية العجز والبكاء على مستقبل أمة ضحكت من جهلها الأمم، مستقبل أمة تغتال في فكرها، تصاب بفلذات كبدها، شبابها الذين أصبحوا عرضة للتطرف، لما يعتمل من غرس مفاهيم مغلوطة لأفكار مسمومة هدفها قتل كل جميل، ووأد كل زهرة، وحرق كل معنى عظيم. إنه الخطاب الذي يظهر من هنا وهناك تارة على لسان بن لادن، وأخرى على لسان خطيب اعتلى المنبر على حين غرة، فأخذ يرغي ويزبد ويهدد ويتوعد، ويوزع قسائم إيمان وكفر ونفاق من غير تفكير ولا هوادة. هذا في شمس الظهيرة، أما عند انسدال الظلام وفي الغرف المغلقة، وخلف الجدران، حيث تتم التربية المغلوطة والتعبئة الخاطئة التي تخرج شاباً يدرس في السنة السادسة في كلية الطب إلى تفجير نفسه والقضاء على حياته بين غفوة عين وانتباهتها دون تفكير برسالته السامية من إحياء للنفس الإنسانية وما تساوي هذه النفس عند الله تعالى. ليجعل هذا الحدث السؤال مفتوحاً على مصراعيه: لماذا يستهدف الشباب بالذات، وكيف يتم زرع قيم الهدم والتدمير فيهم؟ ليكون السؤال المضاد: لماذا لا يتعلم الشباب البناء وتعمير الأرض، والعيش في كنف الحقائق الثلاث: الحق، الجمال، الخير.؟ وذلك بالتطوير الذاتي، وبناء النفس داخلياً أولاً ويكون مع ذلك الابتعاد عن لغة الخطاب الديني التقليدي ذي الأساليب القديمة والمصطلحات والتعليقات الذي تزرع الانفصام بين الرسالة والمتلقي، المستقبل لهذا الخطاب الذي يحيا حياة جديدة ومقاصد جديدة تحتاج إلى فقه بالدين على المنهج الصحيح الذي تقوم به عمارة الأرض، وحتى تخرج الأمة من شرنقة التخلف والسلبية والأمية الفكرية التي تقودنا إلى الغوغائية من حيث نشعر ولا نشعر، لا بد من تبني خطاب ديني وسطي يسعى إلى البناء والعلم والتسلح بقيم الإسلام الحقيقية التي تدعو إلى التفاعل والارتقاء بهذا الإنسان الذي لا يكون إنساناً إلاَّ إذا كانت فيه روح العدالة والتسامح والجمال، وإن الله جميل يحب الجمال.