علينا أن نسلّم بأن أخطر ما نواجهه من مشكلات وتحديات من قبل الأفكار المتطرفة والسلوك الإرهابي لم يكن لها أن تنجح في اختراق عقول بعض ذوي النفوس الضعيفة لولا غيبة الكتاب الهادف والموجّه للوعي المعرفي.. والسؤال الذي يطرح نفسه: أين هو مشروع القراءة للجميع الذي أعلن عنه من قبل الهيئة العامة للكتاب، هل غاب هذا المشروع وبالتالي غابت معه الصحوة الثقافية على امتداد أرض الوطن؟!. أين التخطيط الثقافي المسبق الذي يتناسب مع المعطيات والظروف الراهنة، أليست الثقافة استثماراً، وأهم استثمار فيها هو الكتاب وجعل القراءة سلوكاً عاماً للجميع بحيث يتجاوز الكتاب حدود الزمان والمكان ويجعل العمل الثقافي عملاً مستمراً طوال العام، وليست تصريحات موسمية. بوضوح شديد أريد أن أقول: إن التطرف والعمليات الإرهابية التي حدثت مؤخراً والتي ستحدث يتحمل مسؤوليتها الجميع ومن ضمنهم الهيئة العامة للكتاب التي صرحت بأنها ستجعل الكتاب يصل إلى كل بيت ولم يصل سوى العنف والفكر الظلامي الذي بدأ يغزو بيوتنا وعقولنا. لقد فشل هؤلاء في ملء الفراغ الذي يعاني منه الشباب اليمني فملأته الأفكار المتطرفة التي وجدت الفرصة لتزييف وعي الشباب وتضليلهم، أليس الجميع مسولون عن الفراغ الذي تعانيه المكتبة الوطنية وهم يتحملون مسئولية تسليم زمام أمور أجيال الحاضر والمستقبل. ولو أن الهيئة ومعها جهات عديدة مختصة قامت بدورها ووفرت الكتاب وأنجزت مشروع القراءة للجميع لاختصرت الطريق ووفرت الجهد والتكاليف واتقت شر الوصول إلى مرحلة أشبه بمرحلة المريض الذي يبحث عن سبيل الشفاء بأية طريقة من طرق العلاج. إن غياب الكتاب سمح للبعض أن يسجنوا أنفسهم خلف قضبان الأفكار المتطرفة، ولو أن هؤلاء قرأوا لأدركوا حقيقة الحياة واستمتعوا بثقافة واعية تواكب الحداثة، ولكان حالهم أفضل مما هم عليه من الظلمات والجهل، فالأفكار المتطرفة تعبّر عن عجز الفهم وعدم القدرة على استيعاب طبيعة التطور. ولست بحاجة للقول إن من يلقي نظرة على المشهد اليمني لابد له أن يعتبر بأن الولاء الوطني غائب وكل الأطراف تنهش من لحم الوطن؛ كل طرف بحسب قدرته، وجميع هذه الأطراف تسهم في زرع تخلف الوطن وتسعى من حيث تدري ولا تدري إلى تدمير عقول الأجيال الجديدة. والجميع يعلن عن مشاريع تؤول ميزانية هذه المشاريع إلى الحسابات الخاصة، لنغرس بذلك قيمة الكتب كقيمة هي الأصل، ويصبح الصدق هو الاستثناء. كنا نأمل أن يكون مشروع القراءة للجميع مشروعاً حقيقياً حتى يتمكن الجيل من القراءة لأفضل الكتّاب والمشاهير وحتى تصطدم الأفكار السلفية بجدار الفكر الحديث، وعمل ندوات مفتوحة لمناقشة هذه الكتب مع أطفال وشباب اليمن حتى نعلّمهم الحوار وروح التسامح وزرع بذور المحبة واحترام حب الوطن.. فالقراءة كما نعلم تحقق الثقافة والمعرفة، وهي المدخل الصحيح لبناء إنسان عصري سليم العقل، متزن الفكر يقدر على التمييز بين الصواب والخطأ ويقدر على مواجهة المتغيرات السريعة. إننا في مأزق؛ حيث وجدنا أنفسنا في مواجهة هجمات الردة والظلام التي استفادت في غفلة منا أن تلعب على وتر عواطف الناس وتهييج مشاعرهم وتزييف الحقائق وتجعل الباطل حقاً والماضي أفضل من الحاضر؛ كل ذلك بسبب غياب الكذب حامل لواء المعرفة. وليس تجاوزاً للحقيقة أن أقول إن إحساس الكثيرين من الذين سمعوا عن مشروع القراءة للجميع قد أصيبوا بالخيبة وفقدوا المصداقية بالقائمين على هذه المشاريع، ومتى سنكون صادقين مع هذا الوطن الذي يعطينا ولا نعطيه؟!. ولهذا فإن إعادة النظر في جهات متصلة بالتنوير صار أمراً واجباً وضرورة تحتمها المرحلة التي نمر بها، والتي جعلتنا في مواجهة مع التطرف والإرهاب الفكري والمسلح مع القوى المتدثرة بالدين والتي لم يعد لديها متسع من الوقت للاستماع إلينا. فالقوى السلفية أدخلت اليمن بها ومعها في ألوان من الصراعات الفكرية والثقافية، وهي تريد عقارب الساعة أن ترتد إلى الوراء أكثر من قرن من الزمان، وكأن ما تم تحقيقه مع الثورة حلم ليل!!.