إصرار الرئيس علي عبدالله صالح على التذكير في الغالبية العظمى من خطاباته بخطورة «الفراغ» لدى الشباب لم يأت من فراغ، وهو إن لم يكن مستوحىً من تجارب سابقة، فالواقع هو من يفرض منطق هذه التحذيرات ! في مقدمة ما يؤكده الواقع اليمني اليوم هو ان «الحزبية» أمست كما المعول، آخذة بهدم القيم الإنسانية والاخلاقية للمجتمع، على غير ما كان مأمولاً منها، ذلك لأن البعض يتعاطى معها على قدر كبير من الجهل وضعف الحيلة، فجعل منها حالة تدور في فلك الحلقات الاضعف في المجتمع لكونها الوسط الذي ينقصه الوعي كما هو حال الشباب الذين يمتلكون الطاقة والحيوية ويفتقرون للتجربة والخبرة والمعرفة. لو قدر لبعضنا مراقبة أحد المهرجانات أو التظاهرات التي اقيمت مؤخراً تحت عنوان «النضال السلمي» لوجد ان ما بين «75 80» بالمائة من المشاركين فيها هم من فئة الشباب الذين اعمارهم دون سن «25» عاماً.. وهؤلاء يتم حشد بعضهم للمشاركة باستغلال مراهقته أو عنفوانه الشبابي الذي يصور له دوره كأحد من سمع أو قرأ عنهم من الشباب العربي الثوري الذي انتفض بوجه الاستعمار. أما البعض الآخر وهم أغلبية ينضمون لمثل هذه الفعاليات السياسية تلقائياً بدافع «قتل الفراغ» كونهم لا يجدون ما يفعلونه.. فالأندية الرياضية التي لا تعرف غير كرة القدم تنظم «دورياً» بأسبوعين وتقفل بعده شهرين.. ومراكز رعاية المواهب لم تعرف شكلها المحافظات ! ومعاهد اللغات والكمبيوتر محدودة جداً، وفي مراكز المدن، وتتطلب أموالاً لا تمتلكها الغالبية العظمى من الشباب، فيما الحدائق والملاهي موجودة بكثافة .. ولكن على ورق المخططات الحضرية للمحافظات .. فإلى أين المفر ؟! يبدو أن هناك ملاذاً واحداً ، فشارع السياسة وحده الساخن منذ فترة غير قصيرة، فهل بوسع أحد منهم «قتل الفراغ» في جدل هذا الشارع المتوتر والمشحون بالانفعالات «المسمومة» بالحقد على الآخر، وتجريمه وكيل الشتائم له .. !؟ وهل في اليمن مثل السياسة لا يكتمل حديثها، ولا يتوقف حراكها ولا تنضب خزائنها !؟ وهنا يستوقفنا أمر في غاية الأهمية، وهو طالما والشارع الذي نتحدث عنه «معارضاً» فأين إذن شارع الحزب الحاكم وهو صاحب الأغلبية الشعبية !؟ وإذا كنا ننتقد المعارضة لأن احزابها لا تمتلك أي مؤسسات لخدمة المجتمع، فلماذا لا نسأل الحزب الحاكم عن مؤسساته المرتبطة بتنظيمه وليس حكومته !؟ وكيف ترجم تحذيرات الأخ رئيس الجمهورية بشأن الشباب إلى معالجات لملء الفراغ !؟ إننا اليوم نواجه إشكالية في توازنات الساحة الشعبية، إذ ان النشاط التعبوي «السلبي» الذي تمارسه مختلف القوى السياسية المعارضة لا يقابله حراك مماثل من فروع المؤتمر الشعبي، ولو على الصعيد الإعلامي والثقافي الذي يصحح المفاهيم، ويفند الإشاعات، ويمتص جرعات الكراهية، والاحقاد التي تحقن بها النفوس، على مدار ساعات الليل والنهار.. فالتنافس الديمقراطي هو تعبئة طويلة لبناء الثقة، وتهيئة القناعات، وتحصين النفوس بثقافة ايجابية سليمة، وصادقة، وواضحة بكل ابجدياتها. إن مثل ذلك الدور في غاية الأهمية، خاصة في أوساط الشباب فقط لكثافتهم العددية الهائلة، بل لأنهم مازالوا في أول الطريق، ولم يتزودوا بعد بالتجربة، والخبرة المتراكمة، والمعرفة الكافية بالأمور، وبعض خلفياتها التاريخية التي لو بلغهم العلم ببعضها لكان لهم موقفهم الوطني الصلب، وبتقديري مازالت هناك امكانية أمام الحزب الحاكم لتحريك تكويناته التنظيمية المختلفة بهذا الاتجاه، وحماية منجزاته الوطنية، وملء الفراغ لدى الشباب بأي أنشطة جماعية لتأجيج روح الحماس الوطني في نفوسهم.. فإن لم يقم بمسئولياته وهو الحاكم فمن ينتظر لينوبه بمسئولياته.؟!