نكاد نتفق جميعاً على أن الوعي الثقافي بشئوننا المختلفة هو في مقدمة ما ينقص مجتمعنا، مثلما الجهد لتعزيزه هو في صدارة أنشطتنا الغائبة، ومبادراتنا المفقودة حتى عندما تتهيأ لها الفرص في شهر فضيل كرمضان! تعد الجهات الرسمية في رأس قائمة المتضررين من ضعف الوعي المجتمعي، باعتبارها جهات مسئولة وتتحمل أمانة بناء، وتطوير، واستقرار البلد.. إلاّ أنها أيضاً تتصدر قائمة المتغيبين عن إنعاش النشاط التوعوي، رغم أننا نرى في رمضان، وتقاليده الشعبية فرصة سانحة لكافة الإخوة المسئولين لممارسة مسئولياتهم من موقع أدنى، وبعيد عن المكاتب الوظيفية، والأتكيت الرسمي. فمن فضائل الشهر الكريم أنه يشرح الصدور بالتسامح، والمودة، وحب التعاون، وهي ظروف نفسية قليلاً ما تتهيأ بالقوة التي تكون عليها في شهر رمضان، وبالتالي فإن من الحكمة استثمارها في الاتجاهات التي تخدم الصالح العام.. فأية مبادرة يتقدم بها أحد الإخوة الوزراء لتنظيم أمسية ثقافية حول أي شأن من دائرة اختصاصه، أو حتى في شأن وطني عام، ستحظى بصدى شعبي، وقبول، وتفاعل، خاصة عندما تقام في نطاق شعبي مفتوح يسمح لكل الراغبين من أبناء الشعب بالحضور، والاستماع والمناقشة. إن هذا الأمر غير مقتصر على من هم وزراء أو نوابهم ووكلائهم، بل هو مفتوح لمختلف القيادات الحكومية والمحلية لينزلوا إلى القواعد الشعبية، ويتلمسوا همومها، وما يجول في صدورها من أفكار وهواجس وتساؤلات، وإن كان هناك من يقلقه فتح هذا الباب على نفسه لأي سبب كان، فليتحدث في القضايا العامة، سواء في مجال الوعظ التهذيبي، أو المشاكل الاجتماعية العامة وبعض العادات والممارسات السلبية، أو في شئون الثقافة الوطنية التي تعزز الولاء الوطني، وتشد وحدة الصف الوطني للمواطنين بمختلف انتماءاتهم، وكذلك التوعية في سبل مكافحة الفساد، والحفاظ على الممتلكات العامة، ومواضيع الصحة والتعليم، وغيرها من شئون الحياة المختلفة. كلنا تقريباً لدينا قناعة بأن نقص الوعي لدى المجتمع يتسبب لنا بمشاكل جمة، ويلحق بمصالح الفرد والمجتمع والدولة كاملة أضراراً مختلفة، ومع هذا فإننا متقاعسون عن أداء أدوارنا كل حسب موقعه ومجال اختصاصه، أو اهتمامه ، ويغلب على تصرفاتنا الاتكالية أحياناً، واللامبالاة أحياناً أخرى، والجهل بمسئولياتنا في بعض الأحيان، في الوقت الذي نعترف جميعاً بوجود قصور في الوعي المجتمعي... وهو الأمر الذي أصبح معيقاً جداً لحياتنا الخاصة أولاً ثم لبرامجنا التنموية، وطموحاتنا المستقبلية، وأصبح في صدارة همومنا اليومية. في الكثير من الأحيان تلقى مسئولية تنمية الوعي بالقضايا الوطنية المختلفة على عاتق وسائل الإعلام ونخب الفكر والثقافة، وهو فعل سليم ولكن وفق حدود معينة.. فإذا لم يتحدث المسئول الحكومي في وزارة الصناعة أو الزراعة أو التربية أو أي هيئة أخرى عما يدور في مؤسسته، والخطط، والتحديات، وتفسير الظواهر المختلفة التي هي موضع اهتمام الساحة الشعبية فإن وسائل الإعلام لاتجد ما تنقله للرأي العام، وإذا ما اضطرت لاستقاء معلوماتها من غير المصدر المسئول، أو اجتهدت في شرح الأمور فإنها قد لا تصيب مرادها، أو تخلق تعبئة خاطئة.... وعليه فالأصل في التوعية خروج المسئولين، وصناع القرار في أية مؤسسة عن صمتهم والتفاعل مع القاعدة الشعبية، وصناعة حراك ميداني يصبح مادة خصبة لأقلامنا لنقله إلى مختلف أرجاء الوطن وتعميق معارف القاصي والداني به... وبغير تلك الشراكة فإن مطلب الجميع سيبقى مؤجلاً حتى إشعار آخر..