الزلزال المالي الذي عصف بكبريات البنوك وشركات التأمين بدءاً بالولايات المتحدةالأمريكية مروراً بدول أوروبا وانتهاءً بعدد من دول الشرق الأوسط ودول آسيا وغيرها، هذه الأزمة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة للنظام الرأسمالي الذي ينطوي في أعماق أعماقه على أسباب عثراته وأمراضه الفتاكة المزمنة. ويرى العديد من رجال المال والاقتصاد الرأسمالي أن هذه الأزمات ضرورية لتجدد وانتعاش هذا النظام القائم على الأرباح الفاحشة والمضاربات اليومية بأسواق المال والبورصات بالعالم. ويرى منظرو هذا النظام أن هذه الأزمة ليست كسابقاتها من الأزمات التي حدثت في سبعينيات القرن المنصرم والتي كانت لاتتعدى حدود 21 41 شهراً وإنما هذه المرة يمكن أن يطلق على هذه الأزمة ماتسمى بالدورة طويلة الأمد، ويرون أن كل دورة من هذه الدورات الطويلة قد ارتبطت بموجة كبيرة من التجديدات التي من شأنها أن تغير من تركيبات رأس المال الثابت. وطبقاً لذلك، فإن أول دورة بدأت في عام 9871م وامتدت نحو ستين عاماً حتى عام 9481م وعرفت تلك الدورة آنذاك بموجة النسيج والآلات والسفن البخارية وامتدت الثانية نحو سبعة وأربعين عاماً من سنة 9481 - 6981م. ويرى الدكتور فؤاد مرسي الباحث الاقتصادي والمالي بشئون النظام الرأسمالي وأزماته المتوالية عبر تاريخه الطويل وهانحن على أبواب الموجة الرابعة لأزمة النظام الرأسمالي المرتبطة بمعالجة المعلومات والآلات المبرمجة التي تعمل ذاتياً وكذا تكنولوجيا الأحياء والطاقة الذرية، ولقد فسر «شويتر» تطور الموجات الطويلة بظهور وتوسيع تجديدات أساسية تتفق مع فترات التطور التكنولوجي مثل: اختراع المحرك البخاري والسكك الحديدية والاستخدام العام للآلات بين عامي 3781م 2481م، ويرى سمير أمين أن الرأسمالية الصناعية مرت من عام 8481م إلى عام 3781م بفترة رواج طويلة تلتها فترة ركود طويلة خلال السبعينيات من القرن الماضي، ثم حلت فترة رواج طويلة ناتجة عن التوسع الاستعماري من عام 6981 4191م، وتلتها أزمة طويلة استغرقت ثلاثين عاماً حتى نهاية الحرب العالمية الثانية أعقبتها فترة انتعاش ثالثة وأخيرة استمرت حتى أواخر التسعينيات من القرن المنصرم.. اكتفي بهذا القدر من هذه القراءة لمراحل وتطورات النظام الرأسمالي لأحد خبراء العرب المصريين والذي يبحر بنا بهذا اليمِّ المتلاطم أمواجه العاتية.. لكنه إبحار بحار ماهر وقدير بأعماق هذا البحر وحيتانه المختلفة وفي آن واحد بمعرفة كنوز هذا البحر الثمينة، ولقد استعرت في الآونة الأخيرة موجة من الفزع والذعر في الأوساط التجارية والمالية المختلفة بالعالم أجمع، جراء هذا الاختلال الفاضح بكبريات أسواق المال العالمية وبورصات الأسهم، وماكان لمثل هذه الأزمة أن تحدث لولا البدايات الأولى للاختلالات المؤسفة التي أصابت عقول ونفوس وضمائر أولئك القادة من الساسة الذين يتحكمون بأسواق المال العالمي ولايمكن الفصل البتة بين الاقتصاد وما ينسج من خطط سياسية للدول وشعوب العالم، ورغم كل ذلك فإن ثمة إجماعاً لمعظم خبراء وعلماء الاقتصاد بالعالم من أن هذا النظام سيخرج من هذه الأزمة وهو أكثر أماناً وعدلاً ومساواة لا على المستوى المالي والاقتصادي وحسب وإنما على مستوى الهيمنة الدولية ذات الاحادية القطبية، ومعظم قادة العالم بما في ذلك الدول ذات الوزن الثقيل والمعتبر مصممة على ضرورة إعادة النظر في الصيغ الحالية التي تحكم العلاقات الدولية ولابد من صيغ جديدة ذات أبعاد وأهداف تعددية لقيادة العالم وزعامته، إذ إنه لايجوز المناداة والدعوة إلى الديمقراطية لسيادة شعوب العالم في وقت تمارس أي دولة على دول العالم أي شكل من أشكال الديكتاتورية والاستبداد. وهذا ما بدأت تنادي به فرنسا وروسيا وعدد من الدول.. إذن فالعالم على أبواب مرحلة جديدة ومخاض جديد من خلال وأعقاب هذه الأزمة. ثمة هواجس وأفكار وتصورات تجيش في صدور البعض وتجول في خواط البعض الآخر من المعسكر الذي لا يثق أو يطمئن للنظام الرأسمالي مفادها ومؤداها: لماذا لاتكون هذه الأزمة المدمرة مفتعلة من قبل قادة وزعماء هذا النظام الذي رأى أنه قد فقد وأضاع وخسر الكثير والكثير من الأموال والأرواح جراء حماقاته وطيشانه في حروب العراق وافغانستان، ويعلم أن المئات من المستثمرين العرب والمسلمين يودعون معظم أموالهم في البنوك والمصارف الغربية والشركات المختلفة، فأراد تعويض مافقده وأضاعه من أرواح وأموال من خلال إحداث مثل هذه الحركة الذكية التي لايقدر عليها أحد سواه؟؟ طبعاً وهذا بعد مشاورة كافة حلفاء التاريخ والمصير المشترك.. هذه مجرد تساؤلات وأفكار قابلة للأخذ والرد والنقاش القائم على الاعتراف بالرأي والرأي الآخر لاسيما إذا أدركنا أن قادة النظام الرأسمالي على جانب كبير من الدهاء والغطرسة والابتكار بشتى المجالات، فلا يستبعد أن يقدموا على أي شيء كان بهذا الوجود فهم الذين استطاعوا صنع المعجزات والوصول إلى المريخ وحلب المياه من جوفه وأعماقه وقبل ذلك وصلوا إلى القمر وهلم جرا. فياحسرتاه ويا أسفاه على تلك الأموال لأولئك المودعين والمستثمرين من إخواننا العرب والمسلمين الذين فقدوا أموالهم في ليلة وضحاها بفعل إعصار الجشع والمضاربة المتوحشة وأسباب الاستغلال المباح في ظل العولمة المنشودة بدون أية ضوابط.