بقدر الجهد والوقت اللذين بذلتهما الحكومة اليمنية في إعداد الاستراتيجية الوطنية للأجور والمرتبات، فإن ما نصت عليه هذه الاستراتيجية من مضامين مثّل إنجازاً رائعاً على طريق الإصلاحات، وتحسين الظروف المعيشية للمواطن اليمني، غير أن الحظ لم يكن بجانب الحكومة، إذ شاءت الأقدار أن تأتي أزمة الغذاء العالمية مع شروع الحكومة بتنفيذ الاستراتيجية فالتهمت الأزمة الجزء الأعظم من زيادات الأجور. حتى اليوم ما زال الاقتصاديون ينظرون إلى استراتيجية المرتبات والأجور على أنها خطوة كبيرة وجريئة أقدمت عليها الحكومة اليمنية، لكن ما تفرزه الساحة من حين لآخر من اعتصامات أمام مجلس النواب ورئاسة الوزراء أو المؤسسات ضمن مطالبات حقوقية مرتبطة بالأجور وحالات التعاقد قد تبعث على التساؤل حول الآلية التي يجري بها تطبيق الاستراتيجية، ومدى متابعة الأجهزة الرقابية لتنفيذها. قبل شهرين أو أكثر بقليل قامت وزارتا الكهرباء والطاقة والخدمة المدنية بتسوية أوضاع ما يقارب (347،5) متعاقداً، وتم تثبيتهم بموجب نصوص استراتيجية الأجور، وكان ذلك عظيماً.. لكن في منتصف الأسبوع الماضي اعتصم ما يزيد عن ألف شخص متعاقد لدى وزارة الاتصالات مطالبين رئاسة الوزراء بالمعاملة بالمثل أسوة بالمتعاقدين الذين ثبتتهم وزارة الكهرباء. تواصلتُ مع بعض المسئولين بحثاً عن إجابة حول ضوابط تطبيق استراتيجية الأجور بشأن المتعاقدين، وما الذي يجعل هذه الوزارة أو المؤسسة تستبق غيرها فلم يسعفني أحد بالجواب الشافي، حيث تحدث البعض عن «أوضاع الوزارات» والبعض الآخر تحدث عن «الموازنات»، وثالث عن «الخطط» وغير ذلك من الكلام العام الذي كان حجم التباين فيه يؤكد غياب الفهم السليم لدى هذه الجهات لما تضمنته الاستراتيجية. المشكلة أن جميع الجهات التي تواجه احتجاجات أو اعتصامات من قبل موظفيها المتعاقدين تؤكد أنه لديها «توجيهات» بهذا الشأن وهي «بصدد تنفيذها»، رغم أن وجود استراتيجية صادرة بقانون مصادق عليه من قبل مجلس النواب لا يتطلب أية توجيهات إضافية من أجل أن تتحرك الجهات الرسمية لتنفيذ الاستراتيجية.. لكن تجاهل ضوابط العمل الإداري تسبب بإشكاليات كثيرة أعاقت العملية الإنتاجية في بعض المؤسسات، وخلقت مناخاً مضطرباً في البلد، بالإضافة إلى أنها حرمت الآلاف من التمتع بحقوقهم القانونية. المتعاقدون لدى وزارة الاتصالات، وبعد تنفيذ اعتصامهم أمام مجلس الوزراء، وحصولهم على توجيه صريح من لدن معالي رئيس الوزراء، فوجئوا بعدها بمن يقول لهم بأنهم لم يكونوا متعاقدين ولا توجد في ملفاتهم أية عقود عمل، رغم أن البعض تجاوزت فترة عمله الخمسة عشر عاماً..! فيما قال لهم مسئول رفيع بالوزارة بأن عليهم أن يحمدوا الله على تقاضيهم مرتبات لأن البلد مليء بالعاطلين عن العمل ممن لا يجدون قوت يومهم. ومع أن البداية غير موفقة، لكن النتيجة مضمونة، لأن ما سيحدث معروف ويتكرر دون أن تتعلم منه بعض المؤسسات... فدائماً تواجه مثل هذه المطالب بالرفض أو المماطلة، فتحدث اعتصامات وأضرابات، وبيانات إدانة واستنكار وتهديد ووعيد تستثمرها القوى السياسية المعارضة بمهارة، لينتهي الأمر أخيراً بتلبية كامل الطلبات «وفوقها بوسة» لتطييب النفوس. وهنا أتساءل: هل بإمكاننا منح الآخرين حقوقهم طالما أقرها مجلس الوزراء دون أن ندفعهم إلى إحداث بلبلة وتعطيل العمل أو تكدير ساحة الرأي العام بما نحن في غنى عنه!!؟