سُئل المناضل صالح الشاعري وكيل محافظة تعز عن الجمعيات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني وأدوارها، فأجاب «أسمع بها لكن لا أراها».. وبقدر ما أعجبتني إجابته بقدر ما تمنيت لو أن الوكيل يتصفح بريداً إلكترونياً لإحدى الصحف أو المواقع الاخبارية ليكتشف كم من الجمعيات والمنظمات تزخر بها اليمن، وأنها ليست من صنع الخيال وإنما موجودة ولكن على الانترنت فقط. مع اقتراب العيد يحل موسم الجمعيات الخيرية في اليمن، وبإمكان المرء رؤية عدد مهول من الجمعيات التي تحمل مسميات تدمع العين حال قراءتها.. وليس من أحد منها يرسل بياناً على البريد الإلكتروني لإحدى الصحف أو المواقع إلا وأرفقه ببضع صور للمستفيدين من معونات جمعيته. هذا الأسبوع جمعتُ ألبوماً من الصور التي تظهر أطفال وفتيات الأسر الفقيرة وهم يستعرضون كسوة العيد أمام عدسة الكاميرا.. لا أنكر أن البؤس مرسوم في وجوههم، غير أنني تساءلت مع نفسي وأنا أنظر إلى صورة فتاتين تحملان ثياب العيد : يا ترى ماذا لو كنت أنا رب هذه الأسرة الفقيرة، هل سأسمح بتوزيع صور بناتي على الصحف، وإشهار فقري وبؤسي للعالم أجمع. أترك الإجابة للقراء.. فمازلت بانتظار الصور التي سترسلها الجمعيات الخيرية لنشاطها في توزيع أضاحي العيد.. فإذا كنا سنقول حول كسوة العيد أنهن مجرد فتيات صغار وغداً يكبرن ولن يعرفهن أحد ويتذكر بؤسهن ، لا أظننا سنجد مخرجاً لصور أمهات وآباء، وشبان، وشابات من الأسر الفقيرة وهم يقفون في الطابور بانتظار دورهم في الحصول على «لحمة العيد» من إحدى الجمعيات الخيرية، التي لا تتوانى على إجبار إحدى السيدات على الابتسام وإظهار الفرح على الوجه أمام عدسة الكاميرا وهي تمسك ببضع قطع من اللحم. لم أجرب من قبل ماذا سيكون إحساس شاب تظهر صورة أمه أو أخته على واجهة إحدى الصحف أو المواقع الالكترونية وهي في طابور الذين يستعرضون لحوم الأضاحي أمام الكاميرات.. لكن أتوقع أن الغالبية العظمى يتمنون الموت قبل التعرض لموقف كهذا.. ولا أدري لماذا تظن الجمعيات الخيرية أن من يفتقر للمال يفتقر للكرامة أيضاً، وبالإمكان الاتجار ببؤسه،.وكسب الشهرة على حساب إنسانيته وكرامته وحقه الشرعي في أن يبقى «مستوراً» ؟.. ومع إن الجمعيات المعنية بمثل هذه التصرفات قائمة على أساس «عمل الخير» والثقافة الدينية المتصلة بذلك، إلا أن تشهيرها بمن تتصدق عليهم لا يدل على أنها تمتلك الحد الأدنى من الثقافة الدينية. فالأصل في بذل الصدقات في الإسلام أن لا تعلم اليد اليسرى بما أعطت اليد اليمنى، وأن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم كانوا يطرقون أبواب الفقراء ويتوارون على جانب منها، أو يلثمون وجوههم وهم يقدمون الصدقات كي لا ينظر المسكين إلى وجوههم ويشعر بذلّ الفقر.. فما بال جمعياتنا اليوم توزع الصور على الصحف، بل وتصور أفلام فيديو للفقراء وأبنائهم وهم يستلمون الصدقات، لتوزعها على المقايل فيصبحوا فرجة للصغير والكبير، وأحياناً موضعاً للنكتة والتعليقات الساخرة. فاتقوا الله يا من تتسولون باسم فعل الخير، واستروا على أهلنا، أمهاتنا، وبناتنا، وأطفالنا.. ألا يكفيكم أنكم تركبون السيارات من ظهورهم، وتبنون العمارات على حساب كرامتهم؟.. والختام تحية لجمعيتي الصالح والإصلاح الاجتماعي الخيريتين لكل الأعمال الخيرية التي تخدمان بها المجتمع بغير منّ ولا أذى.