قبل حين استجاب زعيم المعارضة الزيمبابوية “ مورغان شفانزراي “ لنصائح الناصحين وعلى رأسهم الوساطة الرشيدة لجنوب إفريقيا، وتمت التسوية على أساس تقاسم السلطة بين نظام الدكتاتور روبرت موجابي والمعارضة، وسبق كل ذلك تزوير الانتخابات الرئاسية والبرلمانية على مرأى ومسمع من العالم، والإصرار على السير قدماً في درب الخراب والتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور، وصولاً إلى التلويح بالحرب الأهلية، وهكذا استطاع روبرت موجابي تطويع عوامل الداخل والخارج والاستمرار في نهج الشمول البغيض، والالتفاف على مرئيات المصالحة والاتفاق مع المعارضة، فقد ظلت زيمبابوي على عهدها مرتعاً للفقر والمرض والفساد والظلم، وبعد مرور أشهر محدودة تفشت الكوليرا بين العباد ولم تتمكن الدولة المنهوبة من توفير الحد الأدنى لمكافحة الوباء، الأمر الذي استدعى الضمير العالمي، وتتالت بعدها تصريحات المُطالبة بالوقوف بصرامة أمام نظام يتعمّد قتل شعبه ولا يعول على الداخل والخارج معاً . اتفق الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ، وحتى وسطاء المصالحة على أن زيمبابوي لن تتعافى من مصائبها في ظل نظام موجابي الفاشل، لكن رد وزير خارجية النظام كان اكروباتياً حد السخف، فقد قال وزير خارجية النظام إن تفشي الكوليرا مؤامرة بريطانية !! وإن انتشار الكوليرا شكل من أشكال عودة الاستعمار القديم !! . من يصدق أن يصدر مثل هذا الكلام المخبول من وزير خارجية دولة ؟ وهل من العجب أن نرى مثل هذه الغرائب في واقع أضحى معقول اللامعقول فيه أقرب إلى الحقيقة، فالكوليرا - بحسب نظام موجابي- ليست إلا سبباً لدعوات التدخل الاستعمارية، وما يحيق بالشعب هناك أمر قدري لا ينبغي انتقاده واعتباره تقصيراً من الدولة، والالتفاف على مرئيات التسوية مع المعارضة تأكيد آخر على أن الدكتاتور ليس في وارد التراجع عن منهجه القديم الجديد . تلك عجيبة من عجائب الدهر، وحالة تذكرنا بأحوال مشابهة هنا وهناك، وفيها كل المغزى الذي يجعل الشفافية والنهج الديمقراطي وسيلة حاسمة لتسوية الملعب من أجل النماء والتطور .