منذ أن يصحو الإنسان من نومه يبدأ يفكر في قضايا حياته اليومية ومدى ارتباطها بعملية الديمقراطية، هل هي خيار جيد له ولقوت يومه، وهل الجوانب الاقتصادية تسير في هذا المنوال أي تتسم بممارسة ديمقراطية، وهل هذه الديمقراطية توفر له الحد الأدنى من قوته وتطلعاته التعليمية والتدريبية له ولأسرته، أم هو اقتصاد السوق، وهل يظل يتفرج على السوق والارتفاع الدائم في الأسعار، وهو يزداد فقراً وقلة موارد وخبرات، أم هي رداء يستخدمه الأقوياء ليرضى هو بحكم السوق وعلى طريقة مفتاح الجنة وصليب المسيح للصبر على المكاره، وأين هو من هذه العملية، يعلم المواطن أن الديمقراطية خدمته وتحتاج لوقت حتى يشتد عودها!!. كما أنه يشعر أن الديمقراطية وأكثر الكلام حمَّل الديمقراطية فوق ما تستطيعه وأنها فجرت حالات فوضى وفساد ولكنها لم تغلق أو تشفي هذه الحالات رغم نظريات الحكم الجيد .. لا نعلم كما لا يعلم المواطن أين الحل.. هل النظام العالمي الجديد حمل إلينا فردوساً أو جمهورية فاضلة، وهل تعود بشكل أو بآخر دعاية لنظام ومرحلة جديدة منه وما تشهده من عواصف مالية وعقارية، وكله كما يقول المصريون «كله في الطالع» لا نعرف ما هو تأثير انهيار الشركات العقارية والمالية في أمريكا وانخفاض أسهم أسواق المال في الخليج، وتخفيض كميات النفط المنتج وما يصلنا من آثار نحن في اليمن أو السودان أو نيجيريا أو تايلاند؟!.. لقد تفتحت أعيننا على مرحلة النظام العالمي الجديد ويا ليتها لم تفتح، لأننا لم ننل خيرها بل إن شرها قد يكون الأكثر قرباً ولفحاً وضرراً. صار عقل المواطن أكثر تشويشاً بحكم العولمة والتقنيات وصار يشاهد انهيارات أسواق المال وتسريح آلاف العمال من الشركات والمصانع العالمية؛ بل الأغرب أن أغنياء أمريكا صاروا يرهنون مقتنياتهم بل وكسدت أسعار السلع المترفة. قالت لي جارتي: ما حاجتهم لهذا الاكتناز من المجوهرات، هل هم سيأخذونها إلى قبورهم مثلما كان يفعل الفراعنة في قديم الزمان، لاعتقادهم بأن هناك حياة أخرى في الآخرة لذا كانت تدفن مقتنياتهم معهم ليتمتعوا بها في تلك الحياة.. حقيقة لم أجد رداً، فقد تكون لهم ديانة يؤمنون بها بذلك؛ ولكن حسب ما أعلمه أن هؤلاء الأثرياء يُدفنون داخل توابيت فخمة دون إيداع أية مقتنيات؛ ولكنها الطبيعة البشرية التي تتحلى بالأنانية وتمارس هذا الاكتناز من باب الوجاهة وإبراز المستوى الاقتصادي لهذه الأسرة وسلالتها الغنية وحجم مخازن الأمانات في البنوك من جواهر وحلي مصنعة من أغلى أنواع الذهب والماس. ولعل المضحك والمبكي معاً أن هناك أسراً من باب إبراز الفقر المدقع ترى حجم ونوع المنازل الخشبية والمصنوعة من القش والصفيح وتلك المقتنيات من أدوات معدنية متهالكة وعلب حديدية هي مخلفات ما تصدَّق به الأغنياء والمنظمات غير الحكومية في الزيارات الموسمية والذين تحملوا مشقات الطرق الوعرة للوصول إليهم، كون عزة نفس هؤلاء الفقراء منعتهم عن الهجرة الداخلية إلى نهايات المدن والقرى وليقيموا حزام يسمى « جيتو» ولينبشوا حاويات القمامة لعلهم يجدون بقايا الحفلات المتخمة من أطيب الطعام والشراب. كيف يواصل الإنسان نهاره وكيف ينام وهو يرى متناقضات العالم الجديد متعدد الأقطاب ويسمع عن حروب قد تطاله وتطال بلده دون ذنب إلا أن الثروة ترى هذه القوى أن تنتفع بها سواء بحكم المصلحة أوكون المصالح صارت تُغلّب على المبادئ بين الأقوياء تحت مسميات عديدة ومنها الديمقراطية وكأنها رداء لا يستطيع لبسه إلا من كان قوياً تنموياً بحجم الديمقراطية مالم سيظل يصحو وينام حتى يحل اللغز.