قد يكون الأمر نقداً لما آل إليه حالنا نحن العرب كقومية ندّعي أن لدينا مقومات الوحدة والمصير المشترك، والتكافل العربي الذي سرعان ما ينفرط عقده وقت الخلاف فترانا نقسو ويغيب عنا عامل اسمه "الانتماء القومي" بل حتى الإنساني، وهذا ما يبين الحال عليه من انفراط لهذا العقد وهو ما يحدث وقت الأزمات فترى أبشع وأفظع التآمرات التي نقيمها لبعضنا. وما كان بالأمس القريب من صور يندى لها الجبين وتناقلتها الوسائل الإعلامية لذلك الخراب والدمار التي أحدثته آلة الحرب الاسرائيلية في قطاع غزة، فقد كانت الصور مؤلمة يندى لها الجبين الإنساني والإسلامي والعربي.. ففي ذاكرة حركات المقاومة والنضالات التحررية سيبقى دليل على أن الفلسطينيين إرهابيون وهذا بشهادة بعضهم ولا أحسبها إلا انتكاسة. إنه عذر أقبح من ذنب يمارسه الإخوة الأعداء، غاب كل شيء حتى صغرت قضايا حق العودة وتقرير المصير وبناء الدولة الفلسطينينية واعتبار القدس عاصمة أبدية لفلسطين ونحن نرى شماتتنا ببعضنا، لعل هذا الحدث يكون بداية العودة لرفقاء النضال، وأتذكر قولاً: «لا تشمت بي العدو» وإنها والله أكبر من شماتة، كما يقول المصريون: «اللي ما يشتري يتفرج». فهل لهذه الدوامة من نهاية، وهل يعود الطرفان إلى رشدهما ويكتفيان بما حدث بسبب خلافاتهما وهل يأخذان من العدو الإسرائيلي العبرة وكيف تسوي قيادته خلافتها.؟ ليس الأمر أن العدو في استقرار، ولكن في قرارة الطرفين الفلسطينيين شيء لا يقبله العقل وهذا ما جعلني أسترجع كثيراً من الخلافات في بعض الدول العربية إلا أنها ليست ذات خطورة بحجم خطورتها في فلسطينالمحتلة، فالفلسطينيون يجابهون عدواً خارجياً وصراعاً صعباً خارج حدود القومية، ولكن ولطبيعة هذا الصراع العربي الاسرائيلي بحكم أنه الرئيس في أجندة قضايا العرب وما قدمه الفلسطينيون من ثبات وصمود جعلهم يكبرون أمامنا، فهم أمام اعتداءات يومية وحشية وإغلاق للمعابر وهدم للمقدسات وحفريات حولها لهدمها، وما قامت به اسرائيل من بناء للجدار العازل وكذلك ما يسمى بسياسة الأمعاء الخاوية أمام ذكاء الفلسطينيين في نقل الأسلحة تحت الأرض وعبر الحدود البرية؛ كل هذه الانتصارات للمقاومة الفلسطينية على تعدد مشاربها يقف الجميع أمامها تقديراً وإعجاباً ودعماً لا ينبغي أن ينتكس هذا النضال وأشكال التعبير النضالي المتعددة، فحق العيش الكريم والحياة الحرة حقوق مقدسة لا ينبغي أن تتغلب عليها الخلافات الداخلية.