هذا الكون سخّره الله لهذا الإنسان. الكون بما فيه من محيطات وبحار وأنهار وأشجار وأقمار وشموس وكواكب ورياح وجبال وجنات وقفار وجن وشياطين وملائكة؛ كل ذلك من أجل هذا المخلوق الذي اختاره الله له خليفة. ومن العجز أن لا نفهم سر هذا المخلوق، الذي أصبح بفضل الجهل وفعل الغفلة لا يعرف نفسه ليكون وحسب مجرد بطن تستوعب شيئاً من الطعام والشراب نهايته - مهما كان هذا الطعام والشراب طيباً هنيئاً مريئاً - دخول الحمام. هل هذا هو الإنسان الخليفة؟!.. ولما تخلّى الإنسان هذا المخلوق عن معرفة نفسه وإدراك قدره صار حقيراً لا يفكر إلا بمقدمات يكون الحمام هو نتيجتها، لقد غابت عنه عوالم، وانزوت عن رؤيته ملكوتات جمة، وانحسر عنه عالم الغيب!!. ولما لم يكن الإنسان من مدركي هذا العالم غير المحدود عالم الغيب؛ فإنه يستوي مع أي مخلوق تافه صغير، فالفأر لا يهتم كالفيل، كالأرنب، كالحمار، كابن أوى، وبقية الفصيلة الكلبية إلا ببطنه وفرجه. ما أحقرها حياة عندما يصبح النهار مجلبة لكل ما يسعد الشهوة؛ ويكون الليل حصيراً على نوم هو الغياب الثاني الذي يعقب غياب النهار!!. بئس الليل يستتر منه الإنسان لمقارفة مؤامرات دنيئة، والتخطيط لنهار لا يُذكر فيه خالق السماوات والأرض إلا عندما تمر جيفة تُحمل إلى مثواها الأخير على رؤوس تعد العدة لخلاف يبدو أبدياً على إرث مشبوه يُنفق معظمه على شهود زور وأحكام جائرة. بئس نهار لا يغيّر فيه منكر، ولا يُؤمر فيه بمعروف، ولا تُصلّى فيه فريضة في وقتها، ولا تعاد فيه مظلمة إلى أهلها. لِمَ لا يكون بوسعنا رؤية الملائكة حافين من حول العرش يسبّحون بحمد ربهم؛ مع أنه بالإمكان؟!. لِمَ لا نستمتع بروح وريحان الصفا، واحتقار الشهوات ورغائب الدنيا الدنيئة؟!. لم يسعفنا الحظ ولا يسعدنا بالترنم في الأسحار مع الأطيار: قم فقد قامت الطيور تغني لا يكون الحمام أسجع منا!! هل الحمام أشرف المخلوقات.. أم نحن؟!.