أحد أهداف الثورة اليمنية الخالدة يقول القضاء على الفقر والجهل والمرض، أي أن الثورة قامت للقضاء على كل مخلفات الماضي الأليم الذي كان يعيشه الشعب اليمني إبان الحكم الإمامي .. أسلفنا القول إن التطبيب حق لكل مواطن وخصوصاً المواطن الفقير الذي لا يستطيع السفر إلى الخارج أو العلاج في الداخل في ظل الأسعار المخيفة لكل ما يحيط بالمسألة الصحية ابتداءً بالسعر المرتفع لحق المعاينة والعمليات مروراً بالعلاج إذا كان غير مزور أو مهرب. وصحيح أن هناك الكثير من الإنجازات الصحية قد تحققت خلال العقود الأربعة الماضية، وعملت على تأهيل الكادر الطبي من أطباء ومساعدين وفنيين والذين وصل عددهم إلى الآلاف. كما أنها عملت على بناء العديد من كليات الطب في بعض الجامعات اليمنية بالإضافة إلى ابتعاثها العديد من الأطباء للدراسات العليا خارج البلاد، كل هذا معترف به ولا خلاف عليه، لكن الذي نختلف عليه اليوم هو أن المواطن الفقير والمعدم وفي ظل هذا الوضع الصحي لم يعد معنياً بذلك الهدف الذي يقول إن التطبيب حق لكل مواطن. والسبب في ذلك هو أن مستشفياتنا الحكومية أصبحت شبه خاصة بتعاملها مع المواطن المريض، أي أن المريض منذ أن تطأ قدماه بوابة أي مستشفى عليه أن يكون مستعداً بمبلغ من المال، وإلا عليه أن يعود من حيث أتى مستسلماً لمرضه. فالعملية داخل المستشفيات الحكومية لا تقل إلا القليل عن ما هو في المستشفيات الخاصة، وهكذا حال المختبرات والكشافات وكل ما يحتاجه المريض، إذاً في ظل هذا الوضع المغلوط يصبح التطبيب حقاً لكل من يملك المال. أما المعدم عليه أن يظل مستسلماً لأنينه حتى يتوفاه الله.. أقول هذا الكلام بعيداً عن المبالغة أو رغبة في كتابة موضوع وإنما هي الحقيقة بعينها.. فواقع مستشفياتنا الحكومية يؤكد ما قلناه في هذه السطور. من هنا نطرح هذا الوضع الصحي المأساوي الذي يعاني منه الفقراء أمام الحكومة لإعادة النظر في تعامل هذه المستشفيات مع مرتاديها من المواطنين. وصدقوني أن من يذهب إلى المستشفيات الحكومية هي الطبقات الفقيرة، أما سواهم فهم يذهبون إلى أوروبا وأقلها بلدان عربية كالأردن والقاهرة، والقلة القليلة منهم يذهب إلى المستشفيات الخاصة في الداخل. إن موجات الغلاء التي أصبحت تطحن المواطن قد جعلته يستغني عن الكثير من ضروراته الحياتية بما فيها التطبيب رغم حاجته الماسة إليها، إلا أن الظروف القاهرة قد فرضت عليه ذلك. لذلك نتمنى من الجهات المعنية أن تستنهض ذلك الهدف السامي الذي يجعله هدفاً واقعاً وملموساً في حياة كل مواطن وخصوصاً المواطن الفقير. والغاية هنا ليست في بناء المستشفيات والمستوصفات والتأهيل إلى غير ذلك؛ وإنما الغاية هي وصول الخدمات الطبية إلى المواطن بسهولة ويسر وبأسعار رمزية إن لم تكن مجاناً. فهناك أناس كثيرون يحبسون أمراضهم ولا يعلنوها لعدم مقدرتهم على مواجهة الأعباء المادية المترتبة على ذهابهم إلى المستشفى. نتمنى من الحكومة أن تتدخل لحماية المواطنين البسطاء من غول أسعار العمليات الجراحية، وكذا الخدمات التي يحتاجها المريض ثم الدواء لكبح جماح الاستغلال الذي يتسببه الكثيرون ممن يشتغلون بالعمل الصحي سواءً مستشفيات عامة أو خاصة حتى ينعم كل مواطنينا بالصحة ولو بأدناها، لأن المجتمع السليم المعافى الخالي من الأمراض والذي يتمتع بالصحة الجيدة يكون مجتمعاً منتجاً وقادراً على العطاء. كما نتمنى من وزارة الصحة أن تضع رقابة دورية على كل المنشآت الصحية الخاصة خصوصاً وأن البعض منها قد تحولت إلى منشآت تجارية وابتعدت كثيراً عن مهامها الإنسانية التي تعتبر الأساس في مهامها.