عند أول منام اعتيادي، وفي ليلة صافية، سمع «عبده» صوت فرقعات غامضة، لكن الغموض كان يشفّ عن مصدره الواضح. دولاب الغرفة كان يُصدر صوتاً أشبه ما يكون بالاحتجاج، ولقد تكررت هذه اللازمة على مدى ثلاثة أيام من منامات متوحدة، أصوات متشردة.. فتبيّن أنه بارق في الفضاء. إن للخشب حياته الخاصة، وإن عليه أن يباشر العناية بالدولاب كما ببقية الأشياء المتناثرة. رفع منشفة النظافة ومررها على الخشب.. اختفى الصوت حيناً، ولم يعد يعيد دورة تنبيهاته الغيبية إلا بقدر إهماله لها. لم تكن الأصوات الصادرة قبل حين مُدوْزنة في فضاء الخوارزميات الموسيقية، بل كانت خادشة حد القلق، ولم يكن الصمت التالي الذي تناغم مع العناية إلا رجع صدىً لموسيقى الوجود، تلك التي تسري في الزمان والمكان المفعمين بالأشياء، والمترعين بالصخب والهدوء، بالصوت والصمت، بالاحتجاج والرضا، بالإقامة والتحليق. عصر يوم آخر من زمن العاديات، تباعدت عنه احتجاجات الأشياء، وتطاولت مناماته ليبقى على مقربة من لطائف وإشارات سرعان ما تستحيل إلى فراشات خضر مكملة نظام الطبيعة بقدر من المشقة المريحة. قال في نفسه مردداً : رأى البرق شرقياً فحنّ إلى الشرق ولو لاح غربياً لحنّ إلى الغرب فإن غرامي بالبروق ولوحها وليس غرامي بالأماكن والترب روته الصبا عنهم حديثاً معنْعناً عن البث عن وجدي عن الحزن عن كرب فتداعى الصوت مع جوانياته: أنت الموله لي لا الذكر ولّهني حاشا لقلبي أن يعلو به ذكري الذكر واسطة تُخفيك عن نظري إذا توشحه من خاطري فكري وهكذا جرت أيامه بين معطيات الأنا المرهقة والأماكن الغاربة واللوائح الطالعة فتعثرت قدماه وأضناه السهر حتى فاض .