في الستين من عمره فجع رجل البر والبحر احمد بن ماجد بالاجتياح البرتغالي للشرق، وشاهد بعين القلب والبصيرة ما كان من أمر الاتفاق غير المعلن بين اسبانيا والبرتغال في اقتسام مغانم الجنوب الوافرة، ورأى بنفس كسيرة كيف أصبحت السفن العربية تبحر بمجاورة البراري وهي منكسة الأعلام بعيدة من أمجاد الامتشاق للبحار العاتية .. هكذا كان بن ماجد شاهد حال على أفول الحضارة العربية الإسلامية، وتسليم قيادة البحار للقادمين من الشمال . أسلفنا سابقاً إلى الجدل المحتدم حول تبرئة بن ماجد من مساعدة دي جاما، لكن المهم هنا أن نعرف أن اقتسام النفوذ البحري بين مدريد ولشبونة قد تم فعلياً قبل أربع سنوات من المساعدة " الافتراضية " التي قدمها بن ماجد لفاسكو دي جاما، والتي اشرنا إلى براءته منها . شاهد بن ماجد بعينيه وروحه ما كان من أمر قرن المفارقات والمدهشات والاكتشافات، وساءه أن يكون هذا القرن المقرون بأسماء رفيعة مثل دافينشي وكولومبس بعيداً عن العرب والمسلمين، فتاهت دروب أيامه الأخيرة ليسجل التاريخ أغرب غياب لأغرب شيخوخة منسية، حتى جاء حين من الدهر ليعرف العالم قيمة البحار العالم العربي بن ماجد. يقول بن ماجد: إن لركوب البحر أسباباً كثيرة ، فأهمها وأولها معرفة المنازل والاخنان والدير والمسافات والباشيات والقياس والاشارات وحلول الشمس والقمر والرياح ومواسمها، وكذلك مواسم البحر والآلات السفينية وما يحتاج إليها وما ينفعها وما يضطر إليها في ركوبها ، وينبغي أن تعرف المطالع واستوائيات وجلسة القياس في كل طريقة وعلى الربان أن يكمل جمع الآلة في السفينة وتفقد الحمولة في أحضان السفينة ورجالها، ولا يشحنها غير العادة، ولا يطلع في مركب لا يطاع فيه ، ولا مركب بغير اعتداد، ولا في موسم ضيق " مما سبق يتضح تماماً مدى إدراك بن ماجد ومعرفته التفصيلية بقوانين البحار المادية والنفسية والعلمية والإشارية أيضاً .