تبقى لغتنا العربية قادرة على إنتاج اشتقاقاتها الخاصة، التي تنصرف إلى جملة من المفاهيم، المشكلة لرؤىً حياتية يفرزها الواقع المعيش بين فينة وأخرى، فتتخلق اللغة في اتجاه توصيف هذه الحالة أو تلك، ومن هذه الاشتقاقات ما نحاول أن نجلوه اليوم في هذه الوقفة. ف( ينبغيّات) تحيل إلى مفردة (ينبغي) بما تحمله من ضرورة الانصياع إلى (روزنامة) من الموافقات، تنازلاً لآخر يملك وضعها والإصرار عليها، لذا صارت ينبغي مفردة غير كافية للترفع والترقِّي في سلم الوظيفة العامة، خاصة، والجميع يدرك أن العملية لم تعد مربوطة بمؤهل الفرد أو قدراته وإمكانياته السلوكية والمعرفية، حيث حلّت سلّة (الينبغيّات) المرغوب فيها محلّ هذه المنطلقات التي غدت من كلاسيكيات التقويم والتطور، في ظل عولمة الفساد، وجعله معياراً قيمياً، فتراجعت أخلاقيات وقيمة الوظيفة العامة، ولم تعد مطمعاً للأفراد المجيدين، الذين انزوى الكثير منهم تاركاً الساحة لمن يستطيع أن يحفظ عن ظهر قلب عدداً كبيراً من (ينبغي)، فكلما نجح في حفظها وتمريرها وملازمتها في رحلته العملية اليومية تشرع له الأبواب وتفتح له النوافذ للصعود بسرعة الضوء، إن لم يسبقها، والشواهد لا تعد ولا تحصى، فلم يعد صعباً معرفة أصول وقواعد اللعبة الوظيفية في وجهها النفعي القبيح، فالكثير ممن جاءت بهم هذه (الينبغيّات) صاروا مكشوفين على الملأ وهم يظنون أن المجتمع غير عارف بما يحمله في ورشتها التي صرفت له وهو في طريقه إلى هذه المكانة أو تلك، متغافلين عن أن الوعي لدى المواطن اليوم لم يعد كما كان بالأمس. فهو - أي المواطن - يمارس نفس المخاتلة أو الخديعة معهم ، وهو غير عابئٍ بها بعد أن ملّ الحديث المفضي إلى التغيير الواعي والاختيار الصائب، في وقت سنحت للكثير من القائمين على مرافق ومؤسسات الدولة فرصاً عديدة لتصويب الخلل وتقويم الاعوجاج، إلا أن الرياح تأتي بالقابضين عليها بقوة وعزيمة وإصرار، المجددين الولاء لها، الأمر الذي يدفع بالأوضاع في الكثير من هذه المؤسسات إلى الخواء العملي والعبء الرسمي، فهناك الكثير منها لم يعد له من وظيفة إلا الفتح والإغلاق، وصرف بنود الموازنة في بابيها (الأول والثاني) أما الثالث والرابع فليس له من داعٍ وموضعٍ بعد أن تكورت هذه الوجوه على قصعة المصلحة النفعية الذاتية، وكان الله بالسِّر عليماً.