في رمضان أفضّل قراءة التاريخ وما يلحق بالتاريخ من ذيول، كالرواية والقصة والسيرة. ولقد فطن بعض علماء المسلمين إلى أن ذوق القارئ أصبح مختلفاً، وكان لابد من مراعاة هذا الذوق، فلم يعد بإمكان القارئ أن يسيغ سيرة ابن هشام أو الحلبي. كما لم يعد مناسباً أن يقرأ القارئ تفسير الزمخشري أو ابن كثير، لأن هناك مفردات لغوية لم تعد مفهومة لهذا التغريب الذي لحقنا. كما أن قراءة السيرة لم تعد مجدية لمجرد أن نسردها تاريخياً، ووقع كذا، ثم حصل ذلك؛ وإنما لابد من «فقه السيرة». فقام الشيخ المرحوم محمد الغزالي المصري، والشيخ محمد سعيد رمضان السوري فكتب كل منهما «فقه السيرة». ومعنى «فقه السيرة» هو أن لا يقف القارئ عند الحدث؛ وإنما لابد أن يستلهم من الحدث عظة وعبرة. فالفقه هو قراءة ما وراء المعنى المباشر، فمثلاً فهم بعض الصحابة كسيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فهماً مغايراً لما فهمه سيدنا أبوبكر - رضي الله عنه - ما حصل في «صلح الحديبية». أبوبكر كان صدّيقاً؛ لأنه يسلم الأمر لله ولرسوله دونما مساءلة؛ غير أن سيدنا عمر - والجميع يعرف من هو عمر - رأى أن في «صلح الحديبية» اضطهاداً للمسلمين، ومصادرة لقوتهم وسخرية من نبيهم. ومع ذلك لم يستطع أن يجاهر الرسول الكريم بالأمر، فذهب إلى إبي بكر قائلاً: «كيف نرضى بالدنية» يعني الذل؟!. لقد رأى أن فقرة من الصلح فيها عزة للمشركين وذلاً للمسلمين وهي التي تقول: «من حق قريش أن تسترد من هرب من أبنائها إلى المسلمين، وليس من حق محمد وأصحابه أن يستردوا أحداً جاء إليهم من المسلمين». ولما رأى الصحابة أحداً من أبناء المشركين جاء يرسف في قيوده هارباً من الشرك والمشركين لائذاً بالإسلام ونبيّه؛ أمره الرسول الكريم - تطبيقاً للصلح - أن يعود من حيث جاء، فثارت حمية بعض الصحابة وعلى رأسهم عمر. «فقه السيرة» يُرينا أن هذا الفعل يدل على حكمة رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى، فحين يحبس المشركون مسلماً في سجنه ولا يرجعونه لأصحابه، فإنما ليعلمهم الإسلام ويهديهم إلى الحق من خلال أفعاله وسلوكه. وحين يعيد المسلمون هارباً إليهم إلى الكفار، فإنه سيعلمهم نفس الفعل، لتنبعث الهداية من الداخل، وهكذا. ولقد سبق أن قام العرب بصنيع جديد من هذه القصة والرواية، يحتمل أن يكون من بين أهداف الصنيع أخذ العبرة والعظة. وإلى لقاء الغد.