تعد الديمقراطية هي الخيار الأفضل من بين الخيارات المختلفة، وهي النظام الأسمى الذي توصل إليه العقل البشري حتى الآن.. وعلى هذا الأساس فلابد من الاعتراف بأن الوصول إلى النضج الديمقراطي لا يكون بالتمني وإنما بشيوع ثقافة الحداثة التي تنتصر للعقل والمنطق ضد نزعات النقل والأهواء والمصالح. ولا يوجد شعب أو أمة تستطيع أن تراهن على المستقبل وأن تحلم بمزيد من التقدم مالم تؤمن بحق الاختلاف والاعتراف بحق الآخر المختلف.. ولن يتحقق ذلك مالم تتوافق النخبة السياسية والجماعات المدنية والإيمان بقيمة العقل ورفض الخرافات والشعوذات والأوهام. إن غياب العقل في أي سلوك يمارسه الإنسان وخاصة لدى النخب السياسية فإن ذلك يدمر التعدد ويفرغ البناء الديمقراطي من مضمونه الصحيح.. ومن يقرأ الوضع السياسي والاجتماعي في اليمن يدرك بسهولة كيف أن النخب السياسية تصورت العملية الديمقراطية وكيف اختصرتها في هامش حرية التعبير عبر وسائل الإعلام وتحديداً في الصحف والتي تحولت إلى صراخ وشتيمة بدلاً من الحوار الذي يقوم على أساس تقديم المصلحة الوطنية والمجتمعية على المصلحة الايديولوجية أو الشخصية، لأن الحوار الموضوعي يساعد على تقريب المسافات وردم الفجوات وتقريب وجهات النظر حول القضايا الكبرى التي تهم الوطن والمواطن. وليس خافياً على أحد أن ما تشهده الصحافة اليمنية منذ سنوات أمر يبعث على الأسى والحزن نتيجة لما أصاب الصحافة من فيروسات قاتلة والتي سمحت بانتشار السوء والخبث وتدمير أسس الحوار وتحولت إلى شبكة لاقتناص الأخطاء وتضخيمها وإقصاء الآخر وعدم الاعتراف بحقه وادعاء الحقيقة المطلقة. ومن المؤكد أن هذا الذي نشهده ونلمسه كل يوم لم يكن له أن يتسع وأن يغذي ثقافة القبح والكراهية لو أن المؤسسات الإعلامية وظفت إمكاناتها توظيفاً صحيحاً وقامت بوظيفتها بشكل سليم واهتمت بالرسالة الإعلامية ورجع الصدى، لو تم ذلك لجعلنا الصحافة تنتصر للحق على الباطل وزرع الثقة في النفوس، خاصة بعدما تسللت إليها رياح اليأس والإحباط والقنوط من كثرة الدق على جدار السلبيات. إنني وكثيرون أمثالي بتنا نخشى على اليمن، خاصة وان الكل يستهين بالنظام والقانون، وهاهي الجروح والبثور تظهر في جسد الوطن، كل من يختلف مع جاره يلعن الوطن، ومن تذهب فلوسه إلى سوق القات ولايجد بعد ذلك ما ينفقه على أولاده يلعن الوحدة ويريد الانفصال.. ومن يعيش كسلاً مزمناً ولا يبحث عن عمل يريد فك الارتباط.. ومن يرفع شعار الموت لامريكا الموت لاسرائيل يقتل جندياً يمنياً كل ذنبه أنه وهب نفسه لحماية الوطن والمواطن. لقد حان الوقت لأن نعالج الجروح قبل أن يزداد النزيف ويتحول المرض العضوي إلى مرض نفسي يخترق العقول ويؤدي إلى ضباب فكري يحجب الرؤية عن الطريق الصحيح ويستحيل معه تحديد الفواصل والمسافات بين ماهو حق وماهو باطل.. حينذاك لن نجد من يردع أولئك الذين يقودون تجمعات في أماكن مغلقة أشبه بمعسكرات التدريب ويطلقون عليها جامعات ويطلقون على أنفسهم لقب الشيخ الدكتور ويزعمون أنهم اخترعوا عقاراً للايدز وانفلونزا الخنازير والقلب، مع العلم أن هذا المعسكر أو ما يطلقون عليها جامعة يدرس العلوم الشرعية ولا يوجد أي شيء يمت بصلة للطب، والأدهى والأمر أنهم يطلقون على خزعبلاتهم الطب النبوي، إنها التجارة والمكاسب باسم الدين وباسم الرسول عليه الصلاة والسلام.. وكل ذلك يجيده ووزارة الصحة كأن الأمر لا يعنيها وكأن المواطنين الذين يتعرضون لمثل هذا النصب ليست مسئولة عنهم، كما أن وزارة التعليم العالي لا علاقة لها بما يجري.. لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها! وهنا أطالب الحكومة بأن تعطي الأولوية لمحاربة الفساد بالصور التي ذكرناها والتي لم نذكرها ومطلوب منها أن تضع منظومة قانونية وتنفيذية لمكافحة الفساد وسد منابعه. إن المستقبل إذا أردنا أن نصل إليه بسلام والوطن بخير فلابد ان تحذر السلطة من أهل الثقة والحظوة ممن لا تتوفر فيهم الصلاحية، أو ممن انتهت التقارير والرقابة إلى عدم صلاحيتهم.. والحذر كل الحذر من شغل القيادات العليا لفترات طويلة وتعدد المناصب للشخص الواحد وتجاهل الصف الثاني.. ولابد من التنسيق بين الجهات الرقابية والأمنية لمواجهة الفساد. إن قضايا الفساد تواجهنا كل يوم وتزداد شدة وضراوة وكل يوم نسمع عن نهب الأراضي والرشوة والكسب غير المشروع واستغلال النفوذ والإضرار بحق المواطنين والعبث بالمال العام وإهدار مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص وانتشار الثقافة السلفية وتعطيل دور الجامعة التنويري، والحذر كل الحذر من أولئك الذين يحملون شخصيات مزدوجة، حيث أصبح هؤلاء يشكلون خطراً على الدولة اليمنية؛ لأنهم يعدون أنفسهم لتأسيس دولتهم التي يحلمون أن تكون خلافة إسلامية، إنهم يؤمنون بفكرة الحاكم المتحدث باسم السماء وخليفة الله المستخلف في الأرض. ولعلي أعود للحديث عن الجامعات الأهلية التي بدأت تنتشر كالفطر الخبيث دون أية ضوابط سوى المطالبة المستمرة من قبل وزير التعليم العالي الذي يطالب هذه الجامعات بتسوية وضعها ويبدو أنه لا يملك حولاً ولا قوة؛ لأن هذه الجامعات تتوسع وتفتح فروعاً كما فعلت جامعة الإيمان التي أصبحت تملك فروعاً في حضرموت وتعز وعمران. فهذه الجامعة تؤهل محاضرات بلقب «الشيخة» والمحاضرون يلقون دروسهم للطالبات من وراء جدر محصنة. هذه الجامعة تقيم دورة للمسجلين لمدة أربعين يوماً يتم خلالها فرز الطلاب المؤهلين لمواصلة الدراسة والذين يؤمنون بفكرة التبعية ويلتزمون بعدم قراءة الكتب إلا كتب المشايخ والشيخات، وتقدم هذه الجامعة الدراسة لمدة سبع سنوات مجاناً وتوفير الاحتياجات الغذائية والمستلزمات الأخرى. أعتقد أن هذه الجامعة وأمثالها بحاجة إلى عقار طبي يحصن الشعب من فيروساتها. أما حملة البطائق المزدوجة داخل الجامعات ومؤسسات التعليم فهم أخطر من فيروس الكبد، لأن قلوبهم مع المؤتمر وسيوفهم مع الإصلاح «ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات ذلك هو الفضل الكبير».