لم يتبق شيء إلا أن نسمع الجامعة العربية تدعو إلى «اجتماع طارئ» على مستوى وزراء الخارجية، لمناقشة الأزمة الحادة بين مصر والجزائر، والتداعيات المحتملة للمباراة الفاصلة بينهما غداً في السودان، لتحديد سفير العرب في كأس العالم. قد يفكر«عمرو موسى» بذلك، وهذا أمر غير مستبعد، ويستنكر اقتحام الجزائريين لمبنى«شركة الطيران المصرية» وضربهم للمصريين ومحاصرتهم في شققهم رغم أنه لم يُدن اقتحام اليهود للأقصى الشهر الماضي إلا بعد أسبوع وربما يفاجئنا شعبان عبدالرحيم بسلق أغنية مستعجلة يقول فيها: «أنا بكره الجزائر.. وبحب عمرو زكي»... وهيييه!! الرياضة «ثقافة»، ومن مزاياها الجميلة أنها تنجح في خلق جو محبة وألفة بين أقطار العالم بمختلف دياناتهم، حتى وإن كانت اللقاءات في نهائيات كؤوس العالم.. لم يسمع الناس بأن الجمهور الألماني ضرب البرازيليين في بطولة 2002م بعد أن خطفوا اللقب منهم، ولم يتقابل الطليان والفرنسيون أيضاً في كأس 2006، فيما يعوّض «العرب» - الذين لم يفهموا حتى اللحظة المعنى الثقافي للرياضة - فشلهم رياضياً بمعارك سياسية وإعلامية وهمية، رغم أن المواجهة الكروية مازالت، خارج نطاق الكأس.. وإن ساعدتهم «دعوات الوالدين» بالتأهل، فإنهم سيتحولون ساعتها إلى حقل تجارب أمام المنتخبات «الكبار»، وشباكهم من أول التصفيات إلى «ملطشة»، وسيعودون إلى ديارهم يجرون أذيال العار والخيبة!! بغض النظر عن الفائز في «موقعة الخرطوم»، وماهية سفيرنا غير المقيم في كأس جنوب أفريقيا، تبقى الأحداث التي شاهدها العالم الأيام الماضية، وخصوصاً بعد الفوز المصري في القاهرة، أكبر شاهد على سطحية الشارع العربي وأعلامه، الذي نجح في خلق أزمة دبلوماسية بين دولتين عربيتين، وشعبين يصفهما الإعلام الرسمي ب«الشقيقين» وانحراف «الذوق » إلى لغة سباب وشتيمة وتخوين ساعدت في تعبئة الشارع حد الإثارة، وأنذرت بحرب لا تبقى ولا تذر. مساء أمس الأول، كان تراجيدياً بكل المقاييس بالنسبة لقنوات التلفزة المصرية: نقل مباشر ل«معارك» تصفية الجزائريين للمصريين، ونداءات استغاثة من الجالية المصرية بالتدخل العاجل لإنقاذهم من محاولات إبادة علنية من شعب الجزائر بتواطؤ من قوات الأمن. كأس العالم ليس ملكاً لأحد.. ومن حق أية دولة أن تحلم بالتأهل إليه، لكن المصريين استنكروا أن الجزائر تريد هزيمتهم، وهم الذين ساعدوها في التحرر من الفرنسيين!! برنامج«90» دقيقة لصاحبه الإعلامي «معتز الدمرداش» والذي لاتتجاوز مدته «60» دقيقة في غالب الأحيان، استمر مساء الأحد 180دقيقة، ينقل معاناة العالقين المصريين في«معبر وهران» ولأن المصريين شعب موهوب، و«صاحب مقالب» أجاد أعضاء جاليتهم في وهران تعبئة الشارع المصري باتصالات «تقطع القلب»، وتجعل من الناس في القاهرة يزحفون بأسلحتهم براً نحو الجزائر، لجعلها«بلد المليونين شهيد»، بجانب المليون السابق!! الأول يصرخ: «إحنا بنمووووت» والثاني: «أنقذونا من الناس ديه» وثالث يطالب بطائرة خاصة تنقل المصريين قبل يوم الأربعاء، ليأتي مدير مكتب وكالة أنباء الشرق الأوسط في الجزائر وهو مصري ليقول: إن كل ذلك «كِدب» وإنه لم يتم الاعتداء على أي مصري في وقت كانت قنوات «المحور ودريم والحياة» تصور الجزائريين كاحتلال إسرائيلي ينكل بجاليتهم. نجح الإعلام المصري في ترسيخ «الانتماء الوطني» لدى عامة الشعب بهتافات موحدة «مصر.. مصر.. مصر» وإلهائهم عن همومهم باللهث وراء «نصر» مؤزر مفقود، لن تستطيع تحقيقه حالياً إلا الرياضة، في عملية «تخدير» ذكية.. كما نجح نجاحاً كاسحاً وإن خسر في الخرطوم في تقديم رموز ألهمت «اللعيبة» بمؤازرتهم وحماستهم على المدرجات بتحقيق فوز مهم، في لحظات حاسمة. صباح اليوم التالي لفوزهم الأخير، راحت الصحف المصرية تبتهج بمانشيتات غريبة، منها: «فزنا بهدفين جنان.. وموعدنا السودان» «منتخب الساجدين، يشكر رب العالمين» «منتخب الفراعنة.. أسكت الألسنة» و«رايحين المونديال رايحين».. إذا لم تفز «مصر بعد كل هذا، فتلك فضيحة.. وإن غادرت كأس العالم من أول «لوية» فتلك أفظع، فالجزائريون أصابتهم «لعنة الفراعنة» ولن يفيقوا منها إلا في المونديال القادم.. فتهانينا الحارة ل«منتخب الساجدين».