في هذا الزمن الذي نعيشه والذي نتفق جميعاً على أنه زمن سيئ، وهو بالمناسبة اتفاق يظلم الزمن كثيراً؛ إذ لا علاقة لهذا الزمن أو ذاك بالسوء؛ والمساوئ كلها صناعة بشرية خالصة ومسجلة باسم الإنسان. المهم أننا أوجدنا شمّاعة نعلق عليها سلبياتنا وأخطاءنا ووجدنا زمناً نتهمه ظلماً وعدواناً بالسوء، ونفينا عنه كل الألوان، وأبقينا على اللون «الأغبر» لوناً وحيداً لزمننا هذا. لا أدري ما علاقة الزمن الليل والنهار بما يفعل السفهاء منا، وما علاقته بفساد المفسدين ممن ميّزهم الله بالفعل ليحُسنوا التصرف والعمل فخانوا العقل وتمردوا عليه واختاروا طريق الضلال؟!. ما علاقة الزمن بمن باع ولاءه لغير وطنه وسلك طريق العمالة واستقبل طهران قبلة له وصلّى نحوها عقيدة وسياسة؟!. وما علاقة الزمن بقبح أصحاب دعوات المناطقية والانفصال الذين لا يفرقون بين الحق والباطل، وبين المعقول واللا معقول، والمشروع من اللا مشروع؟!. هؤلاء الذين احتضنوا الإرهاب أو احتضنهم الإرهاب فصاروا وجهين لعملة واحدة.. الزمن الأغبر ليس بذاته لكنه بمن فيه، هذه هي الحقيقة لأن الزمن لا يحمل رشاشاً ولا مدفعية ولا أقل من ذلك ولا أكثر، ولا يجبر الناس على أفعال لا علاقة لها بالعقل والدين ولا بالقيم والأخلاق التي أصابها ما أصابها ففقدت بريقها وفقدت رونقها وجوهرها الجميل عندما تمرد عليها المتمردون وقطاع الطرق والانتهازيون من كل نوع. ما علاقة الزمن بمن ارتد من أقصى حدود الأممية إلى أدنى حدود المناطقية والقروية، وضاقت أمميته، ولم تعد تتسع لوطن واحد، وتبرأ من كل انتماء حتى الانتماء الجغرافي لهذا الوطن، ولا مشكلة في كل ذلك إنما لا يجب أن نقول هو الزمن وهي المرحلة ونَصِفها بالصعوبة والظلام والسوء. علينا ألا نوجه أصابع الاتهام نحو الذين يتسببون في وجود المتاعب والمصائب والمشكلات، وعلينا أن نقول إن أولئك هم الذين يريدون لزمننا أن يتحول بفعل تصرفاتهم إلى أغبر، وللمرحلة أن تكون مظلمة، وللحياة أن تتحول إلى صراع ونكد وفوضى. وعلينا أن لا نسمح لهم أن يحققوا مآربهم وطموحاتهم في إقلاق حياتنا ومعيشتنا لأهداف أوكلت إليهم من أعداء الحياة الآمنة المستقرة؟!. ومرة ثانية وثالثة ما علاقة الزمن بالذين انتكسوا في قوميتهم وفي عروبيتهم التي كانت شعاراً، اتضح الآن أنه كان زائفاً فعاد الذين يحملونه وقد طمست من على وجهه خارطة العروبة والقومية لتُستبدل بشعار محافظة. ولا يبدو أن الانتكاسة سوف تقف عند حدود المحافظة الواحدة؛ فهي في طريقها نحو الضيق والأضيق لأن العملية مرتبطة بالأفكار والفكر، وقد انتكست في العقول والوعي فانعكست على الجغرافيا وذهب التاريخ ذاكرة النسيان. آن الأوان أن يُبرّأ الزمن من سلوكيات الصغار والسفهاء والحمقى الذين لهم في المشاكل والفوضى أكثر من ناقة وجمل وفي الحلول لا نجدهم إلاّ مُعطلين أو هاربين أو متهربين وكأنهم لا يريدون للأمور أن تهدأ، وللأوضاع أن تستقر، ليأمن الناس على حياتهم ومستقبلهم بعيداً عن لغات الصراع والدماء والحرب. ليس الزمن هو المسؤول، والفوضى ليست قدر الحرب، ليست حكماً منزلاً، لولا أن أولئك حولوها إلى خيار فكونوا جميعاً مع الزمن ومع أنفسكم ضد أعداء الجميع.