بناءً على دعوة من رئيس وزراء بريطانيا "جوردن براون" سيعقد مؤتمر في لندن لدعم اليمن في كفاحه ضد الإرهاب.. هذه الدعوة تأخرت كثيراً مع أن الإرهاب الذي تمارسه عناصر التمرد في صعدة ظل يستنزف البلد شهوراً طويلة... ومع ذلك لم يدع أحد لشيء مماثل وهو ما يجعلنا نعتقد أن مفهوم الإرهاب ينحصر عند الغرب في القاعدة فقط، مع أن الإرهاب التخريبي يساوي خطر القاعدة، ولعل السبب أن خطر القاعدة متعدٍ يصل إلى بلدانهم وهو ما يفسر سرعة تحركهم ومع كل ذلك فنحن نرحب بهذا المؤتمر ولكن مع الأخذ بالاعتبار المحاذير الآتية: ألا يكون التدخل الأمني والعسكري جزءاً من خططه فإن أي تدخل سيزيد الطين بلة، وقد حذرت الحكومة اليمنية من ذلك قبل فترة، كما أن الكثير من المحللين والعلماء قد حذروا من مغبة أي تدخل مباشر في شئون اليمن، وهذا الموقف هو نفسه موقف الحكومة اليمنية التي حذرت كما قلنا من أي تدخل. مطلوب من مؤتمر لندن أن يساعد اليمن على شن حرب تنموية للمناطق الأكثر فقراً في اليمن، وهذه المناطق هي التي يتركز فيها الإرهاب لأن العاطلين عن العمل يسهل اصطيادهم وتوظيفهم كآلات دمار. ولو لاحظنا لوجدنا أن شبوة ومأرب والجوف هي أكثر المحافظات تخلفاً، لذا فعلى المؤتمرين في لندن أن يتحركوا أولاً في هذا الاتجاه، ويجب أن تشمل خطة التنمية أيضاً محافظة صعدة؛ لأن حالها كحال المحافظات الثلاث. هناك من يعتقد أن هذا المؤتمر مجرد تمهيد لغزو، والبعض يروج لذلك بسوء نية، ولكن هذا الاعتقاد خاطئ، إذ أن الأمريكان ليسوا على استعداد للتورط في حرب جديدة وهم يعانون ما يعانون من حرب العراق وافغانستان. وإذا كان ثلاثون ألفاً من الجنود الذين عزّز بهم أوباما قواته هناك لم يستطيعوا أن يمنعوا هجوماً لطالبان على كابل قبل يومين وصل ضرره إلى وسط المدينة، فكيف سيفكر في غزو جديد في أرض هي أول من يقاوم أي احتلال. أما بريطانيا فقد جربت احتلال اليمن، فماذا خرجت وكيف خرجت؟ وعليه، فالقول بإمكانية إقدام امريكا على غزو جديد أمر يصعب توقعه في ظل المعطيات السابقة. إن مؤتمر لندن قد يكون مفيداً إذا تم تقديم المشكلة الإرهابية أمامه بشفافية وبكامل أبعادها وأسبابها وظروفها، كما أن المشكلات الأخرى المرتبطة ولو بصفة غير مباشرة بالإرهاب يجب أن تشملها مبادرات الحل، ففي هذه الحالة يمكن ايجاد حلول للمشكلة أما إذا كان الهدف هو معالجة النتائج دون النظر أو التطرق للأسباب فإن هذه المعالجة لن يكتب لها النجاح. وعليه فإننا لسنا بحاجة إلى تأكيد القول بأن مفتاح الاستقرار هو التنمية، فحيث توجد التنمية يختفي الإرهاب والعكس بالعكس. بقيت اشكالية واحدة وهي مرتبطة بكل ما سبق من جهة ومرتبطة بالنسيج الاجتماعي في اليمن وفي غيرها من البلدان في العالم الثالث وهي القبيلة ومسألة الولاء لها، فإن كثيراً من القبائل اليمنية تمثل لأعضائها الملاذ الآمن والنصرة الأكيدة خاصة إذا لم يتحقق الانصاف والعدل فيتحول العضو إلى قبيلته وربما إلى غيرها من القبائل النافذة الأمر الذي اكسب هذه القبائل وشيوخها هيبة ومنعة قوية في بعض المناطق. وحتى هذه المشكلة يمكن معالجتها عن طريق التنمية، فوجود المدارس والمستشفيات والمشاريع التي تستوعب العمالة في هذه المناطق سيزيد من نفوذ الدولة، كما أن التعليم سيسهم في تأكيد الولاء للأمة والوطن بما لا ينافي الولاء للقبيلة بحيث يصبح هذا الدور مكملاً ومتناغماً مع دور الدولة. وما يحدث من إلجاء بعض الخارجين عن القانون في بعض القبائل يمكن إعادته إلى انعدام الوعي بأهمية الحفاظ على الأمن للبلاد كلها وأن أمن القبيلة لا ينفك ولا ينفصل عن أمن البلاد كلها بالإضافة إلى تجذر العصبية المقيتة وربما تمارس بعض القبائل اسلوب إلجاء المخربين كنوع من الابتزاز للدولة. وخلاصة القول: إن نجاح هذا المؤتمر منوط بتوفير أسباب النجاح له وقدرة المؤتمرين على القبول بكافة الطروحات في إطار السيادة، الوحدة، الجمهورية، الديمقراطية والبعد عن المعالجات الآنية التي تفقد أثرها بعد أيام.