لا يختلف اثنان على أن الصحافة اليمنية بمختلف مسمياتها شهدت طفرة مشهودة عقب تحقيق الوحدة المباركة في 22 مايو 1990م مستفيدة من مناخات الحرية التي لا سقف لها سوى الدستور والوحدة والثوابت الوطنية, وعلى الرغم من الشطحات والتجاوزات التي تقع فيها بعض الصحف المحلية وعلى وجه التحديد الحزبية والأهلية والتي لا تتماشى مع مضامين قانون الصحافة والمطبوعات وحرية الرأي والتعبير إلاَّ أن مناخات الديمقراطية الرحبة دائماً ما تدفع السلطات الرسمية إلى عدم اتخاذ الإجراءات القانونية حيالها بُغية إفساح المجال أمام القائمين على هذه المطبوعات للعمل على تقويم مسار أطروحاتهم وتناولاتهم الصحفية، ومن أجل أن يبقى الهامش الديمقراطي واسعاً ولتمضي مسيرة الصحافة اليمنية قدماً نحو المزيد من التطوير والتحديث الذي ينقلها نقلةً نوعية شكلاً ومضموناً.. ولا أعتقد أن هناك ثمة من ينكر من القائمين على هذه الصحف والعاملين فيها أن الحرية الصحفية الممنوحة لهم تكاد تكون أنموذجاً يحتذى بين دول المنطقة، فلا مقص للرقيب ولا رقابة تتدخل في مضامين ما يتم نشره قبل الطبع، فرئيس التحرير هو المسؤول عن كل ما ينشر في الصحيفة وهو صاحب الكلمة الفصل فيما يتعلق بالمواد والمواضيع القابلة للنشر . وأتذكر أنني استمعت إلى رئيسة الوفد البحريني المشارك في المؤتمر العربي لحماية المستهلك والذي استضافته بلادنا ممثلة بالجمعية اليمنية لحماية المستهلك برئاسة الأستاذ حمود البخيتي قبل عدة سنوات, حيث أبدت رئيسة الوفد البحريني دهشتها واستغرابها للجرأة التي وصلت إليها مضامين إحدى صحف المعارضة اليمنية حيث قالت بالحرف الواحد "احمدوا الله يا إخواننا في اليمن على الوحدة والديمقراطية, شوفوا لو كانت الصحيفة هذه في بلد عربي آخر كان صاحبها والعاملون فيها في خبر كان",حينها رد عليها معلقاً أحد الزملاء قائلاً لها: " انت لسه شفتي حاجة". ولعل ما دفعني إلى استدعاء هذا الموقف هو الحال الذي عليه صحافتنا اليوم, حيث يتباين سقف الحريات الصحفية من صحيفة إلى أخرى,ونلمس جوانب إيجابية في البعض منها وإن كانت قليلة وفي المقابل نلاحظ كماً هائلاً من الجوانب السلبية للبعض الآخر..فعلى سبيل المثال فقد استطاعت الصحافة الرسمية أن تستعيد ألقها وحضورها القوي في الوسط الإعلامي من خلال رفع سقف الحريات الصحفية فيها وانفتاحها على قضايا المواطن وتلمسها لمجمل همومه وتطلعاته وإفساح المجال أمام الكُتاب للتعبير عن رؤاهم وأفكارهم بحرية دونما تدخل في مضامينها, وعملت الملاحق اليومية الصادرة عن المؤسسات الصحفية الرسمية الثورة والجمهورية و14 أكتوبر والسياسية على إحداث نقلة نوعية في العمل الصحفي,حيث تمثل هذه الملاحق إضافة نوعية جادة ومسؤولة تلبي رغبة القراء وتشبع فضولهم وتلامس احتياجاتهم المعرفية والثقافية في مختلف المجالات .. واللافت في هذه الملاحق هو سقف الحرية الكبير الممنوح للقائمين عليها والكُتاب فيها وهو الأمر الذي أكسبها قاعدة واسعة من القراء وهو تحول إيجابي يُحسب للمؤسسات الصحفية الرسمية, وهذا لا يعني أنه لا توجد أوجه قصور فيها فالكمال لله وحده, وفي المقابل نجد السواد الأعظم من الصحف الحزبية والأهلية ما تزال دون المستوى وعلى الرغم من حضورها في الساحة منذ ما يقرب من 19 عاماً إلا أنه لم يعتريها أي تطوير أو تحديث علاوة على خطابها الإعلامي غير المتزن وغير المسؤول وسنأتي على ذلك بشيء من التفصيل في تناولات قادمة, وسنركز الحديث على الصحف الصفراء التي تسيئ إلى رسالة الصحافة من خلال اطروحاتها اللاوطنية التي تثير الشقاق والنفاق وتخلق المشاكل والأزمات وتنشر ثقافة الكراهية والحقد بين أبناء الوطن الواحد مستغلة مناخات الحرية وفسحات الديمقراطية الاستغلال الخاطئ حتى أضحت هذه الصحف متخصصة في النيل من الوطن ووحدته ومكتسباته العظيمة والخالدة متجاوزة كل محظورات النشر التي نص عليها قانون الصحافة والمطبوعات رقم 25 لسنة 1990م,ومتجاوزة كل الخطوط الحمراء التي لا يمكن تجاوزها تحت أي مبرر, فلا أعتقد أن حرية الصحافة تمنح الحق لصحيفة أن تروج للشعارات الانفصالية وعصابات التمرد والهدم والتخريب وتدافع عن أعداء الوطن الذين يعبثون بأمن الوطن واستقراره,ولا أعتقد أن من حق صحيفة أو مطبوعة تمارس عملها في ظل خير الوحدة المباركة الدعوة إلى الانفصال والانقلاب على الوحدة اليمنية باعتبار الوحدة واحدة من الثوابت الوطنية التي لا يجوز المساس بها. وإن المتتبع لما تنشره هذه الصحف ومن على شاكلتها من المواقع الالكترونية يُدرك أن هناك حملة إعلامية مسعورة تستهدف اليمن ووحدته وأمنه واستقراره وتتعدى تشويه صورة الوطن أمام الآخرين بهدف إلحاق بالغ الضرر به وكأنهم في عداء شخصي مع الوطن, إساءات متكررة, تجاوزات لا حصر لها,استهداف عدائي غير مسبوق,تهويل فظيع للأحداث, وترويج لأفكار هدامة ورؤى ظلامية قاصرة, كذب وتضليل من أجل الكسب المادي الرخيص, انحراف مشبوه برسالة الصحافة عن الخط المرسوم لها, استغلال وابتزاز سياسي ونفعي رخيص, كل ذلك وأكثر دون أن تعي هذه الصحف والمواقع الالكترونية خطورة وانعكاسات ما تقوم به, ولمجرد أن تقوم السلطات الرسمية المختصة بمهامها القانونية حيال هذه المطبوعات والمواقع بحكم القانون تقوم الدنيا ولا تقعد ويبدأ هؤلاء بالتشكيك في حرية الصحافة والديمقراطية بأساليب وطرق عدة وهو ما يثير العجب والاستغراب, فلا هذه الصحف والمواقع الالكترونية تراجعت عن عدائيتها للوطن وتآمرها على وحدته وتعكيرها لصفو أمنه واستقراره من خلال ما تنشره من مواضيع وكتابات صحفية, ولا هي التي تمتلك القدرة على تحمل تبعات الأخطاء الفادحة التي ترتكبها والتي تعتبرها أنها عين الصواب . من حق الصحيفة أو الصحفي كشف أوجه الفساد ومظاهر الخلل والقصور التي يلحظها في أي مرفق أو مؤسسة حكومية مادام يمتلك الأدلة على ذلك وهو في ذلك لا يحتاج إلى إذن من أحد، فالديمقراطية كفلت له ذلك في حدود النظام والقوانين النافذة, ورسالة الصحافة واضحة فهي رسالة مهمتها البناء والتعمير والتطوير والتثقيف والتوعية دونما إضرار بأحد دون وجه حق, سلاحها في ذلك القلم النزيه والصادق الذي لا يحيل ولا يميل ويُحرك بواسطة الريموت ومثل أصحاب هذه الأقلام هم من يستوجب علينا التضامن معهم والاعتصام من أجلهم في حال تعرضهم لأي شكل من أشكال الظلم والاعتداء, أما أولئك الذين استبدلوا الأقلام بالكلاشنكوف والحبر بالرصاص والذخائر فإن الأحرى أن نوجه لهم اللوم والعتاب ونعمل على الوقوف إلى صف السلطات الرسمية في التوجهات المزمع تنفيذها حيالهم والتي تستهدف تغيير هذا الواقع المشين وهذا الانحراف المشبوه لرسالة الصحافة الذي قام به هؤلاء الذين يدعون أنهم أصحاب رسالة إعلامية ووطنية سامية, وهنا أتساءل: أين هذه الرسالة السامية التي يدعون زوراً وبهتاناً أنهم ينشدونها من خلال إصداراتهم الصحفية,نحن لا نقرأ إلا ما يثير الغثيان ويمرض القلوب ويُدميها, فأي سمو في الدعوة إلى الانفصال,وأي سمو في نشر ثقافة الكراهية والمناطقية بين أبناء الوطن الواحد؟!! وأي رسالة صحفية هذه الذي تحول الصحيفة إلى ثكنة عسكرية وباصات توزيع الصحف إلى محلات متنقلة لبيع وشراء الأسلحة, وأي رسالة تستخدم السلاح والرصاص بدلاً عن الأقلام والورق, لا يمكن المرور على هكذا تصرفات مرور الكرام خصوصاً والبلاد تمر بظروف صعبة تستدعي اصطفافاً وطنياً واسعاً للخروج من الأزمات المحدقة به,وكان المؤمل من هذه الصحف أن تكون في الصف الوطني لمواجهة هذه الظروف وإيجاد الحلول والمعالجات لها, لا أن تتحول إلى جبهات تنصب العداء للوطن كما هو الحاصل اليوم كون ذلك يعتبر خيانة وطنية تستوجب المساءلة والتعاطي معها بمسؤولية وجدية السلطات المختصة ومعها كل الخيرين والشرفاء من أبناء يمننا الحبيب، ولا مجال هنا للتباكي على هذه العناصر التي تمثل بفعالها هذه نقطة سوداء في تاريخ الصحافة اليمنية هذا التاريخ الحافل بالتميز والعطاء والإبداع والولاء الوطني, فاليمن أغلى وأسمى وعلى أرباب الأقلام العمل على ضوء ذلك دون النظر إلى أية حسابات أخرى. [email protected]