من يطّلع على القوانين اليمنية يعجب لقوتها ودقتها وحرصها على توفير كل ما يحتاجه الفرد .. فعلى سبيل المثال من يقرأ القانون الخاص بحقوق الطفل اليمني يرى كيف أحاط هذا القانون بأمور الطفل وبيّنها، لكن في المقابل عندما نبحث عما نقرأ في الواقع نجد فرقاً شاسعاً واختلافاً كبيراً، حيث لا تطبق القوانين في بلادنا ولا تجد بعد صياغتها سوى المكوث في الأدراج منتظرة الفرج .. وبصراحة أكثر نحن قوم نتكلم أكثر مما نعمل والدليل على ذلك عدم تطبيق القوانين. كنت قد قرأت كتباً للهيكلة الداخلية لأحد الأحزاب وأخرى لعمل اللجان والفروع كل هذه الكتب بما فيها تجعلك تنبهر بالدقة المتناهية والنظام ما يجعلك تحترم القائمين عليه، لكنك في المقابل كفرد وعضو من أعضائه تصاب بخيبة أمل حين تجد أن الواقع مخالف تماماً لما هو موجود في الكتب وخاصة في الأرياف وذلك لأن هناك من الأكثرية ممن يتعامل مع القوانين بطريقة التأمل مع القات (قطاف قطاف). هذا القطاف هو ما يجعل حياتنا «ملخبطة» وعشوائية لأنك حين تنظر لواقع المرافق والمؤسسات الحكومية والخاصة وعلاقتها بالمواطن ومدى نجاح خدماتها تصطدم بشكوى تكاد تكون مكررة، وتتواجه مع عراقيل تُستحدث نتيجة لمخالفة الأنظمة والقوانين التي وجدت بالأساس للحفاظ على سير الحياة سيراً هادئاً وموزوناً وكل ذلك أوجد صعوبة في حياة الناس وتأخراً في التنمية. وبالنظر إلى من حولنا من البلدان خاصة من تسابق قطار التطور والنهضة من الدول التي كانت تعرف بالفقيرة واليوم غدت محط أنظار العالم في هذه الدول تجد السبب الرئيسي للنهوض هو تطبيق القانون وعدم تجاوزه ومعاقبة المخالفين بقوة، ومن أجمل العبارات في سياق النهضة تلك العبارة التي قالها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم حيث قال : «هم يتكلمون ونحن ننفذ». إننا وفي بلد متعدد الموارد وغني بالثروات كل ما نحتاجه للنهوض والتنمية والتطور هو احترام القوانين التي سنَّناها لأنفسنا وإذا ما فعلنا ذلك فلن نحتاج أبداً إلى مانحين ومتعاطفين لأن ما ينخر في جسد هذا البلد هو سوس الفساد والمفسدين الذين نشأوا في بيئة ليس للقانون فيها صدى بل هو ورقة رابحة بيد البعض الذين يخرجونها وقت الحاجة وليس على أنفسهم بل على المواطن، ولو وقفت لمدة ساعة أو أقل في أي شارع لهالك حجم المخالفات القانونية التي تحدث لماذا؟ لأن مخالفة القانون صارت ثقافة اعتدنا عليها، لأننا وكما قرأت في أحد الكتب أن الشارع هو المكان الذي تستطيع أن تقيس به مدى نظام ورقي أي شعب من الشعوب أو مدى همجيتهم وبدائيتهم.. ففي شوارعنا تلمس كيف أن المواطن لا يحترم نفسه ويؤكد ذلك عدم احترامه للقانون، فهو يصعد بسيارته فوق الرصيف ويتجاوز السرعة ويتوقف بسيارته وسط الطريق ليتبادل الحديث مع غيره، وهو يرمي المخلفات من النافذة ويبصق منها أيضاً ويحمل سيارته فوق ما يسمح به القانون من الأشخاص ومن الحمولات الأخرى. فمتى تعتقدون سيأتي اليوم الذي نجد فيه شوارع منظمة مرتبة ونظيفة تقل فيها الحوادث؟ باعتقادي أن ذلك سيأتي في الوقت الذي سنحترم فيه ما سطرناه من قواعد ومبادئ أسميناها القانون، وإذا كنت معي أخي القارئ فاعلم أنه متى ما حرصت على مواعيدك بدقة وعلى عملك على أكمل وجه ومتى ما شعرت بسعادة في تطبيق قوانين أي مؤسسة تتبعها، ومتى ما علّمت أبناءك أهمية الالتزام الصادق بالوعد والعهد والاتفاق فإن تلك هي الخطوة الصغيرة الأولى في مشوار الألف ميل نحو وطن يجب أن نكون جديرين به. [email protected]