المتابع لمجريات حرب صعدة وتصريحات المجرم عبد الملك الحوثي يمكنه التنبؤ بسير المعارك من ناحية وكذلك بأسلوب القتال الذي تتبعه هذه العصابة وخيوط اللعبة كاملة من ناحية أخرى. نحن نعلم أن حرب صعدة السادسة بدأت منذ ما يقارب السبعة أشهر، وكان الجميع يجمع أن هذه الحرب سوف لن تطول على الشهر على أكبر تقدير نظراً لجدية الحكومة وذلك بدخولها الحرب بكافة التجهيزات بما فيه الطيران، خاصة بعد الهجوم الكاسح والواضح مع بدايات أيام الحرب الأولى. إلاّ أن الرئيس علي عبد الله صالح وبعد أسبوعين من الحرب أعلنها صراحة أنه مستعد أن يقاتل الحوثيين حتى الى 6 سنوات.. نعم بعد أسبوعين فقط أدرك الرئيس بدهائه وعمق رؤيته لمجريات الأمور وخبرته العسكرية أن الحرب ليست قصيرة وليست أسابيع أو شهراً واحداً كما كان يتوقع وذلك بسرعة قراءته لطريقة الحرب الذي يشنها الحوثيون من جهة وحجم المؤامرة على اليمن من قوى داخلية وخارجية راهنت على أنه يمكن للرئيس أن يرضخ بعد مرور شهر أو شهرين على القتال دون احراز النصر. الجميع راهن على الوقت وعنصر المفاجاة في هذه الحرب فالارهابي المجرم عبد الملك الحوثي، راهن على عامل الوقت لأنه لم يكن يتوقع أن تصر الحكومة على النقاط الست وتواصل الحرب الى أكثر من شهرين على أكثر تقدير، والمعارضة اليمنية أيضاَ راهنت على اللعب بورقة الحوثي فقط في أول شهرين من الحرب ولذلك شهدنا توقفاَ شبه تام لأعمال الحراك في الجنوب وكذلك أعمال القاعدة. هذا التوقف في أعمال الحراك والقاعدة كان لافتاً رغم أن المنطق يقول كان يجب على هؤلاء القوى (الحراك والقاعدة) تصعيد أعمال الشغب والاحتجاجات وضربات القاعدة مستغلة إنشغال الحكومة بحرب صعدة. إن توقف قوى الحراك والقاعدة وسكوت المعارضة في أول الحرب يوجهنا الى أن هناك تنسيقاً كبيراً بين هذه القوى، مثل هذا التنسيق لا يقدر على فعله غير قوى (اللقاء المشترك) في رسالة واضحة الى القيادة السياسية مفادها سوف نتركك للحوثي فقط لنرى ماذا ستفعل، وهل ستقدر على الحزم، والى أي مدى يمكنك التحمل!!؟ فالمعارضة في أول أيام الحرب لم تكن تريد الانهيار للدولة لأنها كارثة للجميع، وكانت تريد الجلوس مع الحكومة وأخذ التنازلات منها وتقاسم السلطة فقط وهى تعرض أول ورقة لها وهي الحوثي، هذا لا يعني أن المعارضة هي سبب نشأة الحوثي كحركة، ولكن هناك تنسيقاً واضحاً مع الحوثي مع حسابات خاطئة للمعارضة أن الهدف المشترك مع الحوثي هو إسقاط النظام مع إمكانية الإعتراف لاحقا بالحوثي بحزب يشبه (حزب الله) مقابل خدمته الجليلة للمعارضة في اسقاط النظام. ومع إطلاق الحكومة لشروطها الستة نجد أن الحوثي يطلق ما يسميه مبادرة لوقف إطلاق النار دون شروط مسبقة في استهزاء واضح بقرار اللجنة الأمنية وكأنه يقول للحكومة أنتم المعتدون وعليكم وقف إطلاق النار التي بدأتموها. الإ أن رد الرئيس على هذا الاستخفاف الواضح لجماعة الحوثي بهيبة الدولة جعل الرئيس يعلنها صراحة أن على الحوثيين (ومن يراهن عليهم) الاستعداد لحرب طويلة مدتها سنين حتى 6 سنوات، وكأنه يقول للمراهنين في الداخل (المعارضة) والخارج (إيران) «إن ما تراهنون عليه من عامل الزمن ها هو يسقط ».. تصريحات الرئيس هذه جعلت الجميع يعيد حساباته فالرجل أعلنها حرباً طويلة الى أن يعيد هيبة الدولة وهو مصر على سحق كل من يهدد أمن اليمن وأمن الوحدة.. ولهذا نجد أن أصوات المعارضة بدأت تتعالى وتدعو الى إيقاف الحرب في محاولة مكشوفة لإنقاذ الحوثي كورقة ضغط لصالحها، كما أن صحف المعارضة بدأت تكتب وكأنها صحافه تابعة لعبد الملك الحوثي وليس « للقاء المشترك » (المفترض أن يكون الوجه الثاني للسلطة)، بل إن بعض المتحدثين باسم المعارضة لم يتوانوا عن إتهام السلطة بكونها مسؤولة عن كل المشاكل في اليمن، واتهموها أمام العالم بأنها ترتكب جرائم ، وأكيد تذكرون (الصبري) كيف كان يلوك الكلام، وتذكرون بعدها التصريحات النارية للشيخ حميد الاحمر على قناة الجزيرة في اتهام السلطة بأنها هي من تدعم الحوثيين في إطار تصفية حسابات داخل السلطة وبهدف زعزعة ثقة الجيش بقيادته.. مثل هذه الإتهامات تصب مباشرة في صالح الحوثي وليس في صالح الوطن فزعزعة ثقة الجيش بقيادته تعني هزيمته نفسياً ومن ثم واقعياً وانتصار الحوثي، فأين هذه التصريحات التي تؤدي الى انتصار الحوثي من حب الوطن، لأنه لايمكن لمن يحب الوطن (الجمهورية اليمنية) أن يحب عدو الوطن الحوثي (الإمامية). وبعد مرور شهرين من الحرب، ومع اصرار القيادة اليمنية على مواصلة المشوار حتى النهاية، تجد المعارضة (اللقاء المشترك) نفسها تلعب بالورقتين الأخريتين فقد شهدنا تصاعداً لأعمال الحراك في المناطق الجنوبية تزامناً مع تصعيد في عمليات القاعدة، وهنا ينتقل دعم الحوثي من مجرد دعم سياسي وإعلامي الى دعم مادي في تشتيت جهود الحكومة وتركيزها على صعدة، بل ظهر ما يعرف بحراك الهضاب الوسطى وظهرت اقتراحات الفيدرالية وتقسيم البلاد الى مخاليف والدعوات المناطقية والإنفصالية في محاولة خبيثة الى إضعاف النظام وإيهام المواطن اليمني أن سياسات الحكومة ستؤدي الى تفتيت اليمن، وتقول للمواطن إن الرئيس ليس من يحمي الوحدة، بل هو سببا للتفرقة، كما أن المعارضة بدأت بدعوات الخارج العربي(الجامعة العربية) ومنظمة المؤتمر الاسلامي والجمعيات الاوروبية والامريكية للتدخل والتحقيق في ما تكذب به المعارضة من انه انتهاك لحقوق الانسان والحريات الصحفية وممارسة جرائم حرب في صعدة وفي الجنوب. دخلت المملكة العربية السعودية الحرب بشكل مباشر لسببين، السبب الأول والرئيسي هو الإعتداء الآثم من قبل الحوثي على أراضيها. أما السبب الثاني فهو وجود علاقة احتمالية بين التمرد الحوثي وتنظيم القاعدة وذلك بعد المحاولة الفاشلة لتنظيم القاعدة لاغتيال الأمير محمد بن نائف أقول دخلت السعودية الحرب وزاد التنسيق الأمني والعسكري مع الحكومة اليمنية مما أفقد المعارضة قوة ما تسميه أوراق ضغط على الحكومة فقد بدأت دول الخليج بالتضييق على القوى الممولة للإنفصاليين وأصبحت تدعم اليمن في مواجهة الحوثي والقاعدة بشكل أكبر، أي أن دول الخليج أدركت أن الحكومة اليمنية هي الضامن الوحيد لأمن واستقرار ووحدة اليمن وبالتالي استقرار الخليج ولم تُخف المعارضة امتعاضها من التدخل أشقائنا في السعودية في حرب صعدة لأنها قوت الحكومة اليمنية، وبدأت صحف المعارضة تروج لما يقوله الحوثي إنه إعتداء سعودي على الأراضى اليمنية، في ضغط وقح وابتزاز ليس لحكومة اليمن فقط بل للسعودية، ومع إصرار الحكومتين السعودية واليمنية على موقفهما وتفهم الشعبين الشقيقين لطبيعة العلاقة الأخوية بين السعودية واليمن سقطت ورقة ما تسميه المعارضة “اعتداء سعودي على اليمن”. ومن جديد يتقدم الحوثي بمبادرة للإنسحاب من اراضي السعودية وسقط رهان الحوثي ومن يدعمه (إيران) على إمكانية قبول تدخل إيراني للصلح بين الأطراف..الجدير ذكره هنا أن المعارضة اليمنية لعبت دور الجناح الإعلامي لعبد الملك الحوثي فأصبحت تصور مبادرات الحوثي الغوغائية على انها دعوات سلام صادقة، وأصبحت تصف الرفض اليمني لهذه المبادرات الغوغائية على أنه تعنت، الى أن جاء مؤتمر لندن فوضع النقاط على الحروف، وأدرك الجميع (حوثي وقاعدة وحراك) أن المجتمع الدولي يعرف الحقيقة وأن مصلحته هو يمن موحد مستقر، وسقطت ورقة المعارضة الأخيرة وهي التشويه الإعلامي في إظهار حكومة الرئيس على أنها حكومة فاشلة وأنها ليست مؤهلة للخروج باليمن وأزماته وأنها شريك غير موثوق به في محاربة الإرهاب، بمعنى آخر فشلت المعارضة في إظهار نفسها كمنقذ لليمن من أزماته. وبعد هذه الرؤية الواضحة للمجتمع الدولي لما يدور في اليمن نأتي الى مبادرة الحوثي الأخيرة في القبول بالشروط الستة للحكومة، لنقيم مدى صدقها وواقعيتها وهل نسأل الآن عن مدى جدية هذه المبادرة وهل الحرب قاربت على الإنتهاء؟ يقول د. فائد اليوسفي- الكاتب والمحلل المعروف: “إن مبادرة الحوثي هي مبادرة وقحة، والاجدر بنا ألا نسميها مبادرة لأنها لم تأت بجديد، فمجرد قبول الشروط الستة دون البدء بتنفيذها يعتبر نوعاً من التهريج، ولكن هذه المرة لم تأت مبادرة الحوثي لكسب الوقت مثل باقي المرات ولكنها مبادرة الغريق، فجماعة الحوثي استخدمت أسلوب (حزب الله) في ادارة المعركة، ففي أول الحرب كانت تقاتل بالسلاح المعهود وبعد ذلك استخدمت الاسلحة الثقيلة، وأخيراً استخدمت صورايخ الكاتيوشا لتظهر وكأنها قوية وأن الحكومة فشلت في تجفيف الدعم العسكري لحركتهم، وتعطي شعورًا بالإحباط للجيش بأنه لايمكن محاصرتها، وأن رهان الحصار لن يجدي مع حركة الحوثي وأن الحوثي يحاور لكن من مصدر قوة. ولذلك نرى لهجة الخطاب مليئة بالوقاحة ورفع الصوت حيث ما يزال يكلم أشقاءنا في المملكة العربية السعودية وكأنه دولة بحد ذاته بل إنه يتوعد إذا لم تقبل شروطه، ولو كان الحوثي جادا في قبول الشروط، فعليه أولا الإعتراف بخطئه وعليه التحدث وكأنه مواطن وليس دولة لان هذا هو جوهر المشكلة.. إن الإعتراف بهذه الحقيقة (حقيقة أنه ليس دولة) هي ما تقوله الشروط الستة”. كما يضيف الدكتور اليوسفي: “إن هذه الجماعات عندما تكثر المبادرات فهي تضع في حساباتها هامشاً من الوقت لا يقل عن شهر أو شهرين بالكثير لتعلن الاستسلام الكامل، قبل نفاد مخزونها من الأسلحة، فهي تريد تحويل الهزيمة المحتومة الى هزيمة مشروطة وتحفظ ماء الوجه”. [email protected]