حين تقف الحرب - أية حرب - يقال «وضعت أوزارها» وعندما تضع الحرب أوزارها يفرح الجميع بالسلم والسلام من حيث المبدأ إلا القليل. وبعيداً عن أسباب فرح الكثيرين وحزن القليلين بالسلام؛ فإن الحاجة أكثر من ملحة لفهم أوزار الحرب من خلال معرفة أسبابها ومسببيها ومن خلال معرفة الأهداف التي تشعل نيران الحروب ومعرفة الداعمين للحرب هنا أو هناك. أوزار الحرب لا تسقط من السماء لكنها أوزار الطرف المتسبب في اشتعالها أو الباعث لأسبابها. إذاً فهي أوزار الناس المتسببين بالحرب، ولهذا فإن السؤال المؤلم والموجع والمفجع في كثير من الأحيان وتحديداً عندما تتحمل الحرب - فعل البشر - أوزار البشر وتمضي الأمور على هذا النحو من تجيير الأوزار.. والسؤال هو: هل ينجو أهل الأوزار بأوزارهم؟. التفكير في أجوبة هذا السؤال قد يبعث على الهم، وقد يبدو غير منطقي أحياناً إذا أخذنا بظاهر الحال، وفي أحيان أخرى يبدو أنه عين العقل والمنطق إذا اقترن بالشواهد والتجربة، وهذا بحد ذاته وزر من أوزار الحرب وأصحابها. حين تكثر الأوزار وتعظم يصبح الجواب على السؤال ب(نعم) أكثر إيلاماً وحزناً ويبعث على الكثير من الإحباط، وحين تتكرر الأوزار مرات عدة وتتوالى فلا جواب للسؤال بغير (لا). كثيرة هي الأوزار التي تستحق العقاب وإن وضعت فهي لم تزل على كواهل الوازرين، ولن تسقط بالتقادم أو بحكم الظروف التي يبدو الأمر معها سقوطاً لها. لست ممن يفرحون بالحرب أو يطربون لها؛ لكنني أجزم أن الحرص الأعمى على السلام هو بوابة الحرب الكبرى، وأن تجيير الأوزار يسمح بتكرار المآسي، وهذا الذي لا نحبه ولا نتمناه جميعاً. وأمام هذه المسألة لا نملك إلا أن نهدئ من مخاوفنا وانزعاجاتنا مما لا نريده بالرهان على أن الأمور قد اتضحت، وأن الدروس كافية لدى الذين بأيديهم القرار، وأن المسؤولية ليست غائبة ولا الحكمة غائبة عن المشهد. وعلى ضوء كل ذلك لن تكون المسألة بتلك السذاجة التي تغفل كل ما قد لاح واتضح فتتكرر الأخطاء ويُلدغ الجميع من جحر ست مرات. السلم إن لم يأت بما لم تأت به الحرب ليس سلماً، وسلام المناورات و(التقية) ليس سلاماً، وأحسب ونحسب جميعاً أن هذه القضايا وغيرها وأكثر منها معلومة للذين بيدهم الأمر. لكننا نتساءل لأننا لا نريد أن تتكرر الأوزار والمآسي فوق ما تكررت من قبل، تعددت الأوزار والنتائج لا تختلف كثيراً، فلكل سلوك سيئ أوزاره - أوزار أصحابه - فإن تكن الحرب كما يبدو في لحظة كتابة هذا الموضوع تتجه لوضع أوزارها مع كل الأمنيات بأن تكون آخر الأوزار، فمتى تضع السياسة القذرة أوزارها؟!. وبالمناسبة فإن السياسة أو بالأحرى بعضها في كثير من البلدان العربية وبلادنا منها لها أوزار لا تختلف عن أوزار الحرب ولعلها تفوق عليها؛ لأنها تشرّع لأوزار الحرب وتفتي لها ولأصحابها بفعل ذلك. ومتى تضع الفوضى أوزارها، ومتى يضع الإرهاب أوزاره، ومتى توضع كل الأوزار التي كثرت واستشرت وبدا أن الكثير من الناس يتباهون بأوزارهم وبما يصنعون من المآسي والمتاعب؟!. متى يتخلى أصحاب هذه الأوزار عن عشقهم لها ويدركون أن الحلول قبل الأوزار أفضل بلا مقارنة من حلول تأتي بعدها وعلى ظهرها؟. الحلول التي ترفض في البداية يجري القبول بها بعد أن تصبح الخسائر فادحة والأثمان باهظة، والأوزار لا يقبلها الغفران وإن بدا كذلك، فلماذا إذن يفعلون ذلك؟!. إنه عشق المآسي والأوزار.