يقول علماء النفس والعقل والسلوك: إن العقل هو أهم عضو نملكه، ومع ذلك فإن هناك فجوة كبيرة في النظام التعليمي على مستوى العالم عن كيفية استخدام هذا العقل... ويقرر العلماء أن هناك في عقل كل إنسان تكمن إمكانيات تفوق ما يستخدمه منها في توظيف عقله بمراحل هائلة، فلماذا يحصل ذلك؟ هل لأن الإنسان يحتاج إلى معرفة الكثير من عقله حتى يستطيع استخدامه بمزيد من الكفاءة؟ يقول العلماء: كلا، فالإنسان لا يحتاج إلى معرفة الكثير عن عقله حتى يستطيع استخدامه بكفاءة عالية وإنما يحتاج إلى التدريب لاستخدامه. فالمخ عبارة عن مجموعة بسيطة من المفاتيح – الخلايا العصبية – التي تشبه وحدة البث في أجهزة الكمبيوتر والتي تكون إما في حالة عمل أو توقف. وإذا علمنا أن المخ يحتوي على ما يقرب من عشرة ملايين خلية عصبية كل واحدة منها قادرة على التفاعل مع مئات أو الآلاف من الخلايا الأخرى، بينما الوصلات العصبية التي تربط بين هذه الخلايا يقدر طولها بحوالي مائة وخمسين ألف كيلو متر من الأسلاك، فإننا نعجب أشد العجب كيف يمكن أن يكون لكل إنسان هذا العدد الهائل من الخلايا العصبية المزودة بهذا الكم المخيف من الوصلات العصبية، ومع ذلك فإن هذا الإنسان يعجز أن يستوعب أهمية وضع كيس الزبالة (العلاقي) في صندوق القمامة في الوقت المناسب قبل وصول السيارة المخصصة لجمع القمامة من الشوارع، بل تراه لا يبالي في أن يقذف بالكيس في الشارع، خصوصاً تلك الشوارع التي ليس فيها براميل قمامة، حيث جرت العادة أن تمر سيارة النظافة في أوقات معلومة أو غير معلومة، لكنه مع الأسف الشديد لا يوجد من سكان الحي أو الشارع أو الزقاق من يترقب قدوم السيارة، ليس لأن سيارة النظافة تمر خلسة كأنها تخشى أن يعلم أحد بمرورها، فقد قررت أن تقطع لسانها إن صح التعبير، فلم يعد أحد يشعر بوجودها خصوصاً ربات البيوت اللاتي اعتدن أن يرسلن أطفالهن لرمي أكياس القمامة في أي مكان من الشارع أو الحي عقب مرور سيارة النظافة مباشرة، بل إننا نرى سيارة النظافة مازالت على بعد أقل من خمسة أو عشرة أمتار من المكان فإذا بنا نرى فارساً طويلاً عريضاً أو مسبّعاً ومرّبعاً يخرج من الزقاق ليرمي بالقمامة كيفما اتفق لكي يستدعي الكلاب والقطط التي تكون قد تفرقت لأنها لم تجد ما تجتمع من أجله، لكنه يأبى إلا أن يستدعيها لتنهش ما في الأكياس وتبعثر كل شيء إلى الشارع حيث الأطفال يلعبون والكبار يائسون محبطون. نقول: ليس فقط لأن سيارة النظافة صارت تمر خلسة في شوارعنا وأحيائنا بعد أن قطعت لسانها أو آلة التنبيه أو الهاون سميها ما شئت، فقد كنا نشعر بوجودها في بداية المشروع وكانت نسبة النجاح تبلغ في كثير من الأحيان أكثر من خمسين في المائة، أما الآن فقد هبطت نسبة النجاح إلى درجة مخيفة ولكنها مازالت فوق درجة الصفر، والخوف كل الخوف أن تهبط النسبة إلى ماهو أدنى من مستواها الآن!! ولابد أن قراء صحيفة «الجمهورية» كانوا قد اطلعوا إلى أننا قد أشرنا إلى الجهود المشكورة التي كان موظفو القسم المختص بالنظافة يبذلونها لكي تبدو الشوارع الخلفية وما يتصل بها من حارات وأزقة أقل بؤساً مما هي عليه الآن، ولم نتردد في إزجاء الشكر والتقدير للأخ عبدالحكيم سيف والفريق المساعد له على جهودهم في متابعة مسألة النظافة، أما الآن فإننا نجد أنفسنا في حرج أن نوجه الدعوة للأخ عبدالحكيم أو لأي من كبار موظفيه بسبب المناظر الكئيبة التي يعيشها شارعنا الطويل من جراء تراكم القمامة وتبعثرها في أماكن متفرقة من الشارع التي أساءت إليه القمامة من جهة وأكوام الحجارة وأكوام التراب والنفايات الملتصقة بجدار طويل كان يحاذيه رصيف أنيق من جهة أخرى، ولكن إدارة الأشغال استطاع موظفوها بما يمتلكون من شخصية متكبرة أو مستعلية لا تبالي بشيء أن تحيل هذا الرصيف إلى مكان تتراكم فيه نفايات الأعمال التي قام بها مكتب الأشغال منذ سنوات، فما إن تم لهم إقامة أعمدة الكهرباء حتى تركوا كل شيء مشوهاً ومقيتاً، كأن موظفي الأشغال لا يتمتعون بأي قدر من الذوق السليم وقد ساعدهم على إبقاء هذا المستوى الركيك من الذوق مواطنو الحي الذين لم يدخروا شيئاً من وسعهم في إضافة قبح جديد بما يحملونه من نفايات من بيوتهم، لكي يغطوا هذه النفايات في كثير من الأحيان بأكياس القمامة التي يرسلونها مع أطفالهم أو حتى كبارهم. خلاصة القول: إن هناك ثلاث جهات مسئولة عن هذا الخلل الجسيم في مسألة النظافة خصوصاً في الأحياء والشوارع الخلفية، الجهة الأولى المواطن نفسه.. وكثير من الأحيان نجد أن المواطن نفسه يعتبر كارثة على حيه وشارعه فهو يقذف مافي حلقه من عجينة القات إلى الشارع ويهرق زيت السيارة أو الموتور إلى الشارع ويلقي بالنفايات من أي نوع إلى الشارع، فهو لا يتمتع بأي قدر من الشعور بالمسئولية أو الصدق أو الإخلاص أو الأمانة، فهو يرتكب الفعل السيء ثم ينكر، يتهم الآخرين ولايتهم نفسه وينتقد كل الناس ماعدا نفسه، المواطن في بلادنا حرم نفسه من التخلق بأخلاق الإسلام وصار عبئاً على نفسه وعلى أسرته وعلى مجتمعه وبلاده. الجهة الثانية المسئولة هي إدارة تنظيم مرور سيارة النظافة في أوقات محددة والإعلان عن تلك المواعيد وصيانة السيارة وضمان عدم تخلفها لأي سبب كان خصوصاً أيام الأعياد، أما الجهة الثالثة فهي إدارة الأشغال العامة التي لا نرى سوى آثارها السيئة خصوصاً في الأحياء والشوارع الخلفية، وهناك مفاجأة غير سارة يقولون إن العقل لم يدخل مدارسنا حتى الآن وعندما يدخل العقل في نظم التعليم ومناهجها سوف نجد أنفسنا قد تأخرنا كثيراً في فهم مسئولياتنا باتجاه بلادنا.