أعلن ملك في أرمينيا عن جائزة سنية لمن جاء بأفظع كذبة في تاريخ البلاد. قال الملك من فاز بالجائزة ونجح في تقديم الكذبة كانت له تفاحة من الذهب الخالص. وكان جواسيس الملك ينقلون له أخبار كذب الشعب، أن الكذب أصبح خليقة متوطنة بين الناس، وأن كل من يظهر الحب لا يعني بالضرورة حباً وولاء، وأن الكذب ينتشر مع الرعب، وأن الكذب خليقة تتوطن منذ أن يكونوا أطفالا، حينما يخافون من تقديم الحقائق. تقدم الناس من كل الطبقات في اختلاق قصص من الأكاذيب يحتار لها الإنسان. وهرع إليه أناس كثيرون، أغنياء وفقراء، عساكر ومدنيين، طوالاً وقصاراً، سماناً وعجافاً، نساء ورجالاً من كل صنف زوجان، ومن كل فاكهة من الكذب لونان؟ كل يختلق من الكذب، ما يتعجب منه المرء على جدل ودجل الإنسان. وكيف يبرع الإنسان في الحرام أكثر منه في الحلال، وكيف يوقع الإنسان ويضر ويفتك بأشد من الذئاب بأخيه الإنسان. كان الملك يصغي ويتعجب صبوراً يملك غضبه ويطفىء ناره بحلمه، ولكنه كان يعرف كذب الناس، فكانت الجواسيس تنقل له أخبار الناس على مدار الساعة، في أحاديثهم الخاصة، وما تخفي صدورهم؛ فللحيطان آذان أكبر مما يتصور المرء. .ولم يكن هناك نقص في عدد الكذابين بين الناس. ان الملك بعد أن يسمع قصة كل واحد، يقول له ليست الكذبة المناسبة وهي كذبة مفضوحة. .وخسر الناس الرهان باستمرار. وفي النهاية ملّ الملك من هذه اللعبة، وقرر عدم منح الجائزة لأحد؛ فكله كذب مدسوس رخيص. وفي اليوم التالي جاء رجل فقير الحال، تعلوه أسمال ليست بالنظيفة، وتفوح منه رائحة ليست بالطيبة، وتحت إبطه جرة من الفخار، طلب الدخول على الملك؛ فلما تقدم إليه ظهرت على وجهه علامات الحيرة والتردد، ثم قال: يا سيدي الملك لا أعرف ماذا أقول لك؟ ولكنني متأكد أنك تذكر أنك مدين لي. قال الملك وبماذا أدين لك؟ وماذا أستطيع أن أفعل لك؟ قال سيدي الملك إن لي في ذمتك تفاحة من الذهب الخاص، هي أمانة عندك، أرجو أن تعيدها لي. نظر الملك في وجهه، لا يصدق، ثم صاح به حقاً أنك رجل وقح عجيب، لا بل أنت كذاب أشر لم أسمع أفظع منها؟، فكيف تدعي مثل هذا الادعاء الكاذب، الذي تنشق منه السماء؟؟ قال الفقير ذو الأسمال: إذاً مد يدك وأعطني الجائزة. انفعل الملك أكثر، وقال لا .. لا .. لست كذاباً ولن تنال الجائزة. قال إذا أنت تعترف أنني صادق، ولي في حوزتك تفاحة الذهب. أسقط في يد الملك فإن اعتبره كذاباً منحه الجائزة ففاز بتفاحة الذهب، وإن اعترف بصدقه منحه تفاحة الذهب، فقد كسب هذا الرجل الفقير قصب السبق بدون أن يكذب. إن هذه القصة تحكي قانوناً نفسياً، عندما يدفع الخصم إلى خيارات، تنتهي في المصيدة التي ننصبها له، وهو باختياره أي خيار لن يختار إلا ما حددناه له؟!! وهو قانون يسميه (جان جاك روسو) في التربية بقانون (القابلة القانونية) أو الداية، أي أن المرأة الحامل تضع طفلها، حسب رغبة القابلة ولكن بإرادة الأم. وهي براعة نفسية كبيرة في فهم الآخرين، ودفعهم أن ينفذوا ما يحلوا لهم، بدون أن يشعروا أنهم ينفذوا إرادة المخططين. وهو ما تحدث عنه سكينر من مدرسة علم النفس السلوكي.. إنهم يعملون وفق إرادتهم، ولكن وفق الخطة التي نصبتها إرادتنا، والسياسيون المحنكون يفعلون بخصومهم هذا أحياناً، فيختار الخصم شيئاً، وهو يظن أن يحسن الصنع، ولكنه ينفذ إرادة الخصم من حيث لا يشعر. وفي القرآن عرض للأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.