في زيارة صديق لي وكان الوقت جمعة قلت له: عفواَ عليّ تدارك الصلاة !!. بقي في مكانه وأنا لم أشد عليه!! . بعد عودتي قلت له؛ كأنك لا تصلي الجمعة؟ قال في قناعتي هي سياسية لأنها فرغت من المعنى.. هذا المفهوم قرأته عند الكثيرين من المفكرين؛ مثل محمد إقبال والنيهوم والمرنيسي . والكل يصب في مفهوم واحد أن صلاة الجمعة تحولت إلى طقس ميت . نفس الآلية في تفريغ الشعارات العملاقة من كل معنى انتقلت إلى الحج؛ فقد تحولت شعائره إلى طقوس، خالية من المعنى، وفي أحسن الأحوال قد يدهس الناس بعضهم بعضاً في رمي الجمرات أو يختنقوا أثناء المرور في الأنفاق.. أو يغرقوا كما حدث في طوفان جدة في خريف 2009م. والحج موسم سنوي لتعميم مفاهيم السلام في العالم، بدءاً من الوشاح الأبيض والطواف، وعدم قتل الطير، إلى عدم الرفث والجدال والفسوق، وإفساح المجال لكل البشر في رؤية هذه الظاهرة الإنسانية، فكل آية جاءت في الحج كانت دعوة للناس وليس المسلمين أن يطوفوا بالبيت العتيق. وحين تتحول ظاهرة الحج إلى تظاهرة إنسانية، يقودها مفكرون عالميون، تلقى فيها محاضرات إنسانية سلامية، في قاعات غاصة ببشر من كل فج عميق يرتاح إبراهيم في قبره. وليست تظاهرة الحج هي الوحيدة، بل حتى الصلاة اليومية الخماسية؛ فقد تحولت أيضاَ إلى طقوس ، يصطف فيها المسلمون بجنب بعض، فإذا خرجوا من الصلاة علا بعضهم على بعض، ولم يصطفوا في نظام، أو يحترموا إشارات المرور، وتطاحنوا في قيادة السيارات، ونقلت الجثث إلى البرادات، مما يقول إن الطقوس التي يؤديها المسلمون اليوم لا تعني شيئاً، فقد تبخرت وظيفتها منذ أمد بعيد!!. ويحضرني في هذا مثال مفيد، لتوضيح عمل العبادات والطقوس والتربية الروحية، وأثرها في الحياة، بين حزام المحرك والدينمو والبطارية، فالحزام يدور، وينقل الطاقة من الدينمو؛ فتخزن في البطارية؛ فهذه الحركة الثلاثية بين دوران الحزام، وشحن الدينمو، وخزن البطارية، يشبهها من جهة دوران الطقوس، وشحن الروح بالطاقة اليومية.. أما اليوم فقد تحولت الصلوات إلى طقوس ميتة، وتحولت صلوات الجمعة إلى منبر سياسي. ومن يمسك خطبة الجمع واحد من ثلاثة؛ فإما كان واعظ السلطان، أو المتشددين الذين يدعون بالهلاك على تسعة أعشار الجنس البشري، أو الفقهاء النائمون في استراحة عصر المماليك أيام سعيد جقمق.. وفي قناعتي أن مؤشر النهوض بالأمة، هو تغير شكل الطقوس من حركات إلى عبادات، فتؤدي دوراً في اليقظة؛ فوجب أن لا يستولي على خطبة الجمعة اتجاه وخطيب، بل تنوع في الخطباء والمادة، وديمقراطية تدخل فناء المسجد، لمناقشة مشاكل كل حي، وليس الحديث عن الحوريات والغلمان وفواكه الجنة وهل يرون الله؟ وكذلك خطبة العيدين. أما الحج ليس فيه رائحة الإنسانية والعالمية.. وما أطرحه أنا سابق لعصره ربما بمائتي عام أو يزيد، فلسوف يبقى العالم الإسلامي مشلولاً، والعبادات طقوسا ًميتة، وحزام السيارة يدور مجنوناً في فراغ، والحج موسماً لرمي الحجار والصنادل، على شيطان معشش بيننا منذ أمد بعيد؛ فقد أمل الشيطان أن يعبد في أرضنا. بل أصبح متفائلاً جداً. إن هذه الكتلة الهائلة من البشر في حجم مليار ويزيد يسرح بين أظهرهم شيطان مريد بقرون وأظلاف!!.