قبل عشر سنوات وتحديداً أثناءَ الدراسة الجامعية سألتُ البروفيسور هادي نعمان الهيتي أحد أبرز أساتذة الإعلام والاتصال في الوطن العربي عن أسباب تعثر المشروع النهضوي العربي على الرغم من امتلاك العرب مقوماتٍ هائلةً تفوقُ الحدَّ المطلوب لتشكيل قوةٍ اقتصاديةٍ وسياسيةٍ في المنطقة يُشارُ لها بالبنان .. فأجابني باختصار: إن تدثرَ الكثير منهم بلباس الماضوية واستمرارهم في النبش بين ركام الخلافات ، وبناءَ علاقاتهم الثنائية على هذا الأساس هي أبرزُ المعوقات الرئيسية وراء هذا الحال الذي نعيشه ، وأن هذا الواقع سيظل يدورُ حول نفسه حتى يخرج العربُ من شرنقتهم ويتساموا فوق الجراح التي هي في الغالب نتاج حماقات مواقف آنية وسياسات ضيقة الأفق. لسنا هنا بصدد نكأ الجراح وضرب الأمثلة والشواهد فهي معروفة للجميع لكن ما يهمنا الآن هو لملمة هذه الأوراق المبعثرة والنظرُ إلى المستقبل بواقعية وحرص، ودعوة الساسة وصناع القرار وقادة الرأي إلى التحلي بروح المسؤولية الجمعية وتأطير العلاقات الثنائية في إطار المصلحة العليا لشعوبهم . وللتوضيح أكثر فإن ما يقصده أستاذنا الكريم بلباس الماضوية هنا ، هو أن العرب ظلوا يتغنون بأمجاد الماضي دون أن يجعلوا منها حافزاً لانطلاقتهم نحو المستقبل إلى جانب أن الاستراتيجية التي يعتمدونها في بناء علاقاتهم محكومة بأمزجة وأهواء الساسة ، حيث نجدها تتعرض لانكسارات مفاجئة وهي في أوج ازدهارها ، ما يؤثر سلباً على ديمومتها بسبب موقفٍ عرضيٍ طارىء أو تبايُنٍ في وجهات النظر حول قضية معينةٍ تؤثّرُ سلباً على القضايا الرئيسية بعيدة المدى ومصالح الشعوب. وعندما يتوقف الإنسان ملياً عند هذه الرؤية يجدُ أن الكثيرَ من الساسة وقادة الرأي وبكل أسف لا يزالون أسارى لهذه القيود ويدورون حول هذه الحلقة ولا يريدون لهذه المياه الآسنة أن تتحرك على الرغم من أنه لن يكون لها ذلك إلا إذا احتكم بحّاروها إلى متطلبات الحاضر والمتغيرات المتسارعة ذات البعد الاستراتيجي ونظروا إلى خلافاتهم على أساس أنها سحابةُ صيف سرعان ما تنقشع مادام والمصلحة الجمعية والمصيرُ المشترك هما الغاية والهدف للنهوض بالأمة التي لا تزال آمالُها محصورةً في تحقيق ولو الحد الأدنى من التضامن الذي يحفظ لها كرامتها ومقدساتها ويصون حقوقها ، والأمر ينعكس على واقعنا في اليمن كجزء لا يتجزأ من هذه المنظومة العربية. وما نأملهُ ونصبو إليه من الجميع هو الاستفادةُ من دروس الماضي القريب والترفع عن هذه الصغائر والتعالي فوق الخلافات التي هي في حقيقتها زوابعُ ومناكفاتٌ لا تستدعي أن يضفي عليها أحدٌ أيَّ هالة أو يعطيها تلك الأهمية ، بالذات وأن هذه الأمة تمتلكُ مخزوناً بشرياً وعلمياً وثقافياً واقتصادياً غير محدود ، ولا ينقصها غيرُ جمع الكلمة وتوحيد الصف وتحكيم العقل وتقوية جسور الثقة وتغليب لغة الحوار والتناصح والمحبة والتسامح على ما سواها دون الاجترار إلى ماضي المشاحنات والنزاعات البينية . وفّق اللهُ الجميع لما فيه الخير والصلاح إنه على ما يشاء قدير .