بقدرِ سعادتِنا وفرحِنا بالرضا والقبول والأصداء الإيجابية التي تلقَّى بها الشارعُ العربي خبرَ إقرار المبادرة اليمنية المتعلقة بإنشاء الاتحاد العربي في قمة «سرت» الأخيرة بليبيا ، بقدرِ ما آلمتنا كثيراً تلك المواقفُ السلبية الصادرة من بعض الأقلام والأشخاص الذين لا همَّ لهم سوى الانتقاص من أي إنجاز تُحققه الدبلوماسية اليمنية بالذات فيما يتعلق بتبني القضايا القومية ورأب الصدع وحلحلة الخلافات بين فرقاءَ أشقاء عرب نتقاسمُ معهم الهموم نفسها ويجمعنا مصيرٌ واحدٌ وآمالٌ مشتركة . لن أخوضَ في تفاصيل ما قيل ويُقال ، لأن من خاضوا في ذلك لا ينظرون إلا من زاويتهم التشاؤمية التي تُحاكمُ النوايا قبلَ الأفعال ، وتزنُ بقسطاسها المبرمج ولا تقبل بالآخر مطلقاً ما دامت تراهُ خصماً سياسياً ، لكنني فقط أذكّرهم بأن من يُقزّم من بلده ومواقفها يُقزّمُ من نفسه أيضاً بل ويفقد ثقة الآخرين لأنه قد حكم على نفسه من خلال تلك المواقف السلبية والأنانية المفرطة المرتبطة فقط بالماديات والمصالح الزائلة ، بينما الواقع والأخلاق يفرضان على فرقاء السياسة أن يلتقوا عند كل ما هو إيجابي ويصب في خدمة الجميع ، وأن يختلفوا دونما هو مخالف للمصالح العليا ذي النظرة الإستراتيجية ، ودون التنقيب عن الثغرات والهفوات التي لا يخلو منها أيُّ مجتمع أو نظام سياسي في أصقاع المعمورة وربطها حتى بالقضايا المصيرية التي نتحملُ مسؤوليتها جميعاً . ولن نكون حمقى مثل هؤلاء النفر الذين يحاولون حجبَ الشمس بغربال، فبلادنا تعاني مشاكل هنا وهناك ونطالب النظام السياسي بوضع الحلول السريعة والناجعة لها وتصحيح جميع الأخطاء والاختلالات الإدارية والمالية ، لكننا في المقابل نشدُّ على يدي قيادتنا السياسية في تحقيق هذه النجاحات بل وسنظل نطالبها بإيلاء قضايا الأمة العربية والإسلامية الجزء الأكبر من اهتماماتها مهما كان الثمن ، بالذات وأن القاصي والداني العدو والصديق يشهدون لها بالصدارة دائماً والوقوف إلى جانب هذه القضايا التي هي من صميم الواجب الوطني والقومي واستجابة حتمية لتطلعات وآمال أبناء الأمة العربية منذ عشرات السنين وليس من اليوم وترجمة حقيقية لها، وإلاَّ كيف انتظمت الاجتماعاتُ الدورية للجامعة العربية ؟ ومتى سمعنا بالبرلمان العربي ؟ وها نحن اليوم نشهد هذا الإنجاز المتعلق بإنشاء الاتحاد العربي وهذه المواقف الإيجابية المباركة له . وللتذكير فقط ، هذا المشروع الذي تقدمت به اليمن ليس وليد اللحظة، فوزارةُ الخارجية تعكفُ على إعداده منذ سنوات، إضافة إلى كونه ضمن مشروع نهضوي عربي متكامل ومنهجية سياسية متأصلة ومتجذرة ، وأقول لهم : مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة ، ويكفينا اعتزازاً أن تلقى مبادرتُنا كل هذه الحفاوة من أبناء الشعب العربي من طنجة إلى مضيق هرمز ومن حلب إلى مقديشو ، كما أن ما نأملهُ ونصبو إليه من جميع القيادات العربية هو الاستفادةُ من دروس الماضي القريب والترفع عن الصغائر والتعالي فوق الخلافات التي هي في حقيقتها زوابعُ ومناكفاتٌ لا تستدعي أن يضفي عليها أحدٌ أيَّ هالة أو يعطيها تلك الأهمية ، بالذات وأن هذه الأمة تمتلكُ مخزوناً بشرياً وعلمياً وثقافياً واقتصادياً غير محدود، ولا ينقصها غيرُ جمع الكلمة وتوحيد الصف وتحكيم العقل وتقوية جسور الثقة وتغليب لغة الحوار والتناصح والمحبة والتسامح على ما سواها دون الاجترار إلى ماضي المشاحنات والنزاعات البينية ..