الاحتفال بذكرى قيام الوحدة اليمنية لاينتهي بانتهاء فعاليات الابتهاج الرسمية السنوية ؛ لأنها قيمة متجددة في النفوس تتشارك معها أنفاس الحياة لتصبح هذه الحياة فرحاً دائماً وفعاليات روحانية تنشر المباهج في صفوف الناشئة كما تنشرها في خيالات الأدباء وآمال البسطاء ونظرات الكهول. والأمر ليس دائراً في فلك أن يكون هذا المهرجان أكثر ابداعاً من ذي قبل أو لا, أو هذا (الأوبريت) أطرب من ذاك أو لا, وكل مافي الأمر أن تشهد (الوحدة) قلوباً تهفو إلى إشعال الأفراح والمباهج احتفاءً بذكرى إعادة تحقيقها والاعتزاز بالفكر اليمني الحضاري الذي رأى ضرورة الالتحام في زمن الشتات وأهمية التغلب على كل عوامل التجزئة والتأخير بعملية الاندماج. فمع حلول ذكرى قيام الوحدة تحضر دروس النضال والاستبسال في طريق السعي إلى الحفاظ على كرامة الإنسان اليمني وصون عزّته وتوطيد دعائم سيره إلى المستقبل, وقبل ذلك حقن الدم اليمني وإسكات صوت البندقية ودويّ انفجار الألغام في الشعاب وبطون الأودية. الوحدة ماجاءت لإطعام كل فرد إلى فمه, ولم تجئ لتكون شماعة لنعلّق عليها أخطاءنا, الوحدة جاءت أولاً لتحفظ للإنسان اليمني حقه في الحياة الحرة والآمنة بعيداً عن الخوف والصراع وتصفية الحسابات.. الوحدة جاءت لترسم خارطة السير الصحيح في الحياة لحاقاً بركب المعاصرة الذي فاتنا قطاره ساعة كان الانشغال بكيفيات صناعة الموت أو تفاديه , فثمة أيادٍ كانت تزرع الألغام وثمة أخرى كانت تبحث عنها لتجنيب كوارثها على بني البشر. ولَكَم هو عظيم أن يكون منجز الوحدة اليمنية في تاريخ العرب الحديث مصنوعاً بأيادٍ يمنية خالصة مُخْلِصَة لوطنها ولإرادة شعبها ولطموحه, وفيّة لرصيده النضالي وفدائه الثوري المتراكم على طريق الوحدة الوطنية رمز العزة والكرامة والشموخ بين الأمم. فأن ترى شعباً يجري في عروقه دم الوحدة فلا يعيش بدون أن يراها حقيقة يلمسها ويؤمن بها, فهذا أمر يجعل كل مخططات الفرقة والتشطير ومؤامرات العمالة والارتزاق لاتقوى – مهما كان حجمها – على تهديد الحياة الوحدوية بشيء , ولقد رأينا بأم أعيننا كيف أن فئات الشعب المتعددة يزداد حرصها على مواجهة كل فكر ضال أو منحرف يحاول التأسيس للتفرقة والعصبية والمناطقية, بل وتزداد الحمية يوماً فيوماً للتصدي لكل الشبهات الآثمة التي تحاول النيل من منجز الوحدة العظيم, ولنكن على يقين بأن ماتشهده بلادنا اليوم من أحداث وأعمال تخريب قد جدّدت في النفوس الحس الوحدوي , وكثّفت في العقول أهمية الوعي بقيمتها في الحياة حاضراً ومستقبلاً. وهكذا فيبقى التذكير بأن قلوب اليمنيين عامرة بالبهجة التي لاتذهب برحيل الذكرى, فنحن شعب نعيش على اعتزاز دائم بأعظم منجز عربي في القرن العشرين رسمت أهدافه عقول يمنية وهي التي سعت إلى تنفيذها وترسيخها, وأروت غرسها بالدماء الزكية, ونحن على طريق التضحية سائرون شاء الأعداء أم أبوا.