لا زال في اليمن من يمسك الزمام ويرفع الراية ويحمي الأرض ويخطو نحو المستقبل بثقة لا مثيل لها لأنه أدى الأمانة إلى أصحابها بعد أن أثقلت كاهل الوطن لياليٍ طوالاً من الألم والخوف على مصير هذا البلد الطيب الذي وصفه بذلك قرآن رب العالمين وزاد تتويجاً لبركاته حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: “الإيمانُ يمانٍ والحكمة يمانية” صدق رسول الله، فنحن فعلاً شعبٌ لا يزال يعيشُ على الفطرة الأولى.. بساطة في كل شيء منذ بدء الحياة وحتى ساعة الممات.. ولأن في اليمن أيضاً بشرٌ هم ألين قلوباً وأرق أفئدة فإنه لا غرابة أن تلد الحكمةُ كلمتها وتشهر القلوب خوفها على الوطن من الأزمات السياسية. والسبت الماضي الذي كان قد وافق السابع عشر من يوليو شهد رفع الستار عن خشبة الحوار وبدأ هذا النجم الساطع ليل نهار يخطو أولى خطواته الوطنية نحو الأمن والاستقرار في محضر لتنفيذ اتفاق فبراير 2009م رعاه الأخ رئيس الجمهورية وحضره قادة أحزاب اللقاء المشترك على صعيد انفراج الأزمة السياسية التي عصفت بوحدة الصف وعبثت بلحمة الجسد اليمني الواحد وكادت تنسف بنياناً شامخاً عُرفت به اليمن بين شعوب العالم كوطن جديد بأرضه وإنسانه، هذه الخطوة الجريئة التي دعا فيها الأخ الرئيس إلى الترفع عن الصغائر وأخذ السياسة كأسلوب حضاري لإدارة الشعوب بحصافة وهدوء ومنطق، والحكمة تقتضي أن يكون أطراف العمل السياسي رسلاً لبرامجهم الناجحة التي ترفع قيمة الإنسان اليمني كياناً وفكراً وإلا ما الحاجة إلى الدخول في دوامتها إن لم يعلها المصلحة الوطنية بالدرجة الأولى. الأخ رئيس الجمهورية أوضح أنه لا ينبغي التنصل عن هذا الاتفاق لا من السلطة ولا من المعارضة لأن الوطن ملكٌ للجميع.. ويتسعُ للجميع.. وكان خطابه يحمل دعوة مفتوحة لإعلان الوطنية بشكلها الحضاري التي أصبحت حالة الجيل المُلحة تدعو إليها إذ أن يمن اليوم ليس كيمن الأمس والصراع القائم صراعٌ خاسر يضع الوطن خارج خارطة السياسة لكنه في نفس الوقت لا يخرجه من دائرة النار التي كادت تحرق الجميع. اتفاق فبراير 2009م الذي تم على أساسه تأجيل الانتخابات البرلمانية التي كانت مقررة في إبريل 2009م لمدة عامين بهدف إصلاحات سياسية وانتخابية. ويذكرنا السابع عشر من يوليو 2010م باليوم ذاته عام 1978م حيث كان الوضع في اليمن يفتقد للاستقرار السياسي والأمني بعد أحداث متتالية في الشطرين(سابقاً) كانت قد شكلت ازدواجية كبيرة جداً على المستوى الفردي والجماعي وخلقت شخصية يمنية غير مرئية تقف بصمت خلف ضباب السُلطة المتأرجحة بين رأسمالية حديثة واشتراكية معتقة وحكم محلي يفتقد للنظام والمنهجية والظروف الفكرية الموائمة للتغيير.. لكن وفي نفس العام تولى الأخ الرئيس رئاسة الجمهورية وكان ناجحاً في إظهار المصلحة العليا للوطن كهدف أساسي يجب أن يسعى لتحقيقه الجميع، وبحكمة وروية عمل الأخ الرئيس على إخراج اليمن من أكثر أزماته التاريخية خاصة تلك التي كانت تراها أطراف خارجية فرصاً ذهبية لاستثمار أزمات اليمن لصالحها لكنهُ بحكمة شديدة أدار عجلة الأزمات إلى وجهة أخرى كانت سبباً للانفراج والوصول إلى ضفة آمنة للوطن، ثم جاءت الوحدة اليمنية في عهد الصالح لتكون المشروع الأول والأهم الذي يجب أن يعمل الجميع على إنجاحه وبقاءه واستثماره كحدث تاريخ حوّل وجه اليمن من نصف صورة إلى صورة كاملة فأصبحت اليمن نموذجاً حياً للتوحد والانطلاق نحو سماء الإنجازات العملاقة، وهذا ما يجب أن نحافظ عليه بكل ما نملك.. بأقلامنا.. وأرواحنا..وأبنائنا.. وبكل ما نستطيع حتى لا نفقد هويتنا الحقيقية بين شعوب تسكن فوق السحاب وأخرى يتحول الترابُ بين أيديها تبراً.. وثالثة تصنعُ أزهارها من الحديد.. ورابعة تصبغُ أطرافها بقوس قزح وكلٌ في فلك يسبحون!!!... لكن ربما بالحوار والعقلانية ونبذ المصالح الفردية يصبحُ لنا لون آخر غير هذه الضبابية القاتلة..