في حين خُصِّصت نحو خمسين آية للحديث عن النساء كنوع بإزاء الرجال، فركزت على أدوار النساء وأحكامهن القائمة على أساس التكوين الخَلْقِي والطبيعة السيكولوجية، كالحمل، والولادة، والحيض، والرضاعة، والعلاقة الجنسية، وما يتعلق بتلك الخصوصية من أحكام.. وفي المقابل خُصِّصت نحو خمسين آية للحديث عن الرجال، ركز معظمها على أدوار الرجال المرتبطة بتكوينه الخَلْقِي وطبيعته السيكولوجية، وقريباً مما يغلب عليه من صفات السعي في الأرض. يتحدث القرآن عن مأساة الأنثى قبل الإسلام، حيث كان المجتمع يعتبر وجودها عاراً، والحديث عنها عيباً {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59) } [النحل]. فهو يسعى للخلاص منها بأية وسيلة، وإذا نجت من الموت في صغرها لم تنج من الازدراء والتحقير والاضطهاد في كبرها. فلم يكن حالها يختلف كثيراً عن حال العبيد، فهي لا تمتلك من الأشياء ما يمتلك الرجل، بل لا تملك حرية الاختيار لنفسها، ولا تعتبر الجناية عليها جُرماً ولا فقدانها نقصاً، وينظر إليها على أنها شيء من عتاد الرجل في بيته.. وفي ظل تلك الأجواء المشحونة بالقهر والاضطهاد جاءت تشريعات الإسلام بأحكام وقوانين تنصف المرأة وتحترم مكانتها كإنسان، ففي مجال الدين كلفها كما كلف الرجل في عموم التشريعات، وجعل لها خصوصية فيما يتلاءم مع أصل تكوينها الطبيعي، وذكر الله تعالى أن أعمالها لا تختلف من حيث القيمة والقبول عن عمل الرجل، لأنهما من مصدر واحد وعلى مستوى واحد: مؤكداً [إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض].. وفي مجال الأعمال الدنيوية، وهبها حرية التصرف، وجعل لها حق التملك والإنفاق، ووهبها حرية اختيار نمط حياتها الشخصية، كل ذلك في إطار الضوابط الشرعية كما هو الحال بالنسبة للرجال.. بيد أن رواسب العادات والأعراف المتعلق بشؤون المرأة كان لها حضور قوي حتى أنها صارت مستساغة عند المرأة نفسها، لذلك لم يكن ثَمّ مُطالب برفع غبن ولا متحمساً لتطبيق حكم، خصوصاً ما جاء من الأحكام بصيغة العموم أو ورد في إطار التوجيه والإرشاد، ولم تتكرر فيه الحوادث زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حتى يشتهر فيها قضاؤه . وإذا عدنا إلى مصدر التشريع الأول (القرآن الكريم) فإننا نجده ينطلق في خطابه من واحديَّة أصل الإنسان، ويبرز الحكمة من زوجية (ذكر وأنثى)، وضرورة ذلك للوجود والبقاء وتكوين المجتمع الإنساني. ويتجلى ذلك في أمور كثيرة، منها: أن القرآن الكريم عبر عن هذا الكائن البشري بلفظ (إنسان) في قرابة ثلاثمائة آية؛ يتحدث عن الناس في مائة وثمانين آية منها، كجنس من أجناس المخلوقات المميزة بالخلق في أحسن تقويم، ولم يفرق في جميع تلك الآيات بين ذكر وأنثى؛ لا في: تكوين، ولا خاصية، ولا حال، ولا صفة، ولا حكم.. في حين خُصِّصت نحو خمسين آية للحديث عن النساء كنوع بإزاء الرجال، فركزت على أدوار النساء وأحكامهن القائمة على أساس التكوين الخَلْقِي والطبيعة السيكولوجية، كالحمل، والولادة، والحيض، والرضاعة، والعلاقة الجنسية، وما يتعلق بتلك الخصوصية من أحكام.. وفي المقابل خُصِّصت نحو خمسين آية للحديث عن الرجال، ركز معظمها على أدوار الرجال المرتبطة بتكوينه الخَلْقِي وطبيعته السيكولوجية، وقريباً مما يغلب عليه من صفات السعي في الأرض.. وفي مورد آخر استحضر القرآن الذات المكتسبة للحياة وعَبَّر عنها بلفظ (نفس) في أكثر من مائتين وستين آية، ولم يميز فيها بين ذكر وأنثى في تكوين، أو خاصية، أو حال، أو صفة، أو حكم. خصوصاً ما لم يضف منها إلى ضمير . كما استخدم لفظ: (ذَكَر) نحو ثماني عشرة مرة، ولفظ (أنثى) نحو ثلاثين مرة، أشار فيها إلى الفوارق التكوينية الطبيعية بين الذكر والأنثى من الآدميين وغيرهم،وميز بينهما في الأحكام التي تتعلق بتلك الفوارق المتعلقة بالنوع فقط، كما قدمنا في لفظ (نساء). وهذا النمط من استخدام القرآن للألفاظ والمصطلحات يفيد أن الأحكام التي تتعلق بإنسانية الإنسان كالحياة والموت، والمعيشة والكرامة، وما يتعلق بذلك من أحكام لم تفرق بين ذكر وأنثى، ولا رجل وامرأة، ولا رجال ونساء؛ بل تناولت الإنسان باعتباره نفساً، بصرف النظر عن نوعه وصفته.. أما ما يتعلق بالدور الطبيعي لكلٍ من الذكر والأنثى، والرجال والنساء؛ باعتبارهما نوعين متكاملين بالزوجية، وليسا نقيضين؛ فلا شك أنه مختلف، وباختلافه اختلفت الأحكام المتعلقة بتلك الأدوار، لا على أساس التفاضل أو لمجرد التمييز، ولكن نظراً لاختلاف التكوين أولاً، ومراعاة لطبيعة الأدوار ثانياً. المرأة في المدارس الفقهية تتفق المدارس الفقهية في أكثر الأحكام العامة المتعلقة بالمرأة، وإنما تختلف في بعض الجزئيات نتيجة تأثير البيئة الثقافية والاجتماعية، التي تعتبر عند بعض الفقهاء مؤثرات مرعية في الأحكام الظنية المبنية على العمومات، والقائمة الاجتهاد والترجيح. وهذا المنهج رغم ما فيه من توسع في مصادر التشريع، فإنه يعتبر نافذاً على التجديد ومراعاة الوقائع المستجدة في حياة الناس، فهم بمثابة القوانين التي ينتجها المشرعون لتلبية متطلبات المجتمع، وتنظيم حراك الحياة اليومية.. ففي المدرسة الفقهية لدي الزيدية بعض المسائل التي تعبر عن استقلالية المرأة أتذكر منها: علاقة المرأة بالرجل علاقة زوجية بكل ما تعنيه الكلمة، إذ إن لفظ: زوج في القرآن تدل على مقارنة شيء لشيء، فهي إذا قرينة مماثلة، ليس للزوج عليها حق التبعية في فكر ولا سلوك، وليست ملزمة بأكثر مما يفرض عليهما عقد الزواج، “فما عليها حسب نص (كتاب الأزهار) إلا تمكن الوطي”. وما عدا ذلك فمعروف متبادل بين الطرفين. عقد الزواج بين المرأة والرجل قائم على الرضاء والقبول، فلا يجب عليها البقاء مع زوج تعاف العيشة معه، ولا يجوز إرغامها على ذلك، بل يجب على الزوج أن ينهي العقد معها إن أظهرت عدم الرغبة في العيش معه، فإن تأبى؛ فلها الحق في فسخ العقد معه، بعد تقديم المبررات الكافية لذلك. ولي الزواج أباً كان أم أخاً أم غيره مجرد وكيل للمرأة ، وراع لمصالحها، فلا يحق له المماطلة أو التهرب من الموافقة على زواجها أو العقد بها ممن هو صالح لها ديناً وخُلقاً، فإن أبى، سقطت ولا يته، وهذا معنى قولهم: “ وتسقط ولا يته بأدنى عضل”. كما جاء في (كتاب الأزهار). لا مانع من مشاركة المرأة في مختلف شؤون الحياة، عملاً أو تعليماً أو سياسة، بشروط ثلاثة تشترك فيها مع الرجل ولكل خصوصيته: 1 تناسب العمل مع تكوين كل منهما، فقد ذكر علماء الأحياء أن المرأة تختلف عن الرجل في التركب الخًلقي، فكل خلية من جسم الرجل والمرأة تحمل طابعاً خاصاً، حتى في نظامهما العصبي، فعلى الرجل والمرأة أن يقوما بدورهما بناء على طبيعتهما الفطرية، وأن يبتعدا عن تقليد بعضهما تقليداً أعمى، فدور كل منهما في تقدم الحضارة دور رائد، ولا يجوز التخلي عنه لطلب دور الآخر. 2 ضمان عدم التقصير في العمل الموكول إلى أحدهما، مهما كانت الأسباب، فمن شعر بأنه سيقصر في عمله؛ لأنه لا يتلاءم مع طبيعة تكوينه، أو نمط تربيته، أو نوعية معارفه، أو مستوى قدراته، فلا يحق له أن يحشر نفسه فيه سواء كان رجلاً أم امرأة. 3 حفظ النفس من المخاطر، فكما أنه لا يجوز للرجل أن يلقي بنفسه إلى المهالك ويعرض نفسه للمخاطر، فكذلك المرأة، غير أن بعض المخاطر تختلف فيها المرأة عن الرجل، فالمرأة مثلاً تتضرر من الابتذال والمغامرات أكثر من الرجل. وعلى هذا فالمرأة كالرجل من حيث النظرة إليها كإنسان، ولكنهما يختلفان في بعض التكاليف والحقوق وأنماط الحياة، ليس من باب التفاضل ولا من باب الزيادة والنقص، ولكن من حيث ارتباطه بواقع خَلْقي طبيعي لا يمكن تغيره.