يمكنك مراضاة صاحب حق بصورة أو بأخرى, وعدا ذلك يقول المثل: (من لا يسألك حقاً ما تقدر تراضيه) فالذي لا يملك حقاً يظل كلما أعطيته شيئاً يطلب المزيد، وكلما أغلقت باباً فتح أبواباً للمطالب، وكل يوم قصة جديدة، لذلك فالمراضاة ليست حلاً ولن تكون كذلك مع غير صاحب حق. أصبحت حياتنا كلها مراضاة، وهذا الموال ليس له نهاية طالما أدرك البعض أن باب المراضاة مفتوح، ربما لحكمة، غير أن الملاحظ هو أن الكثير من الأمور قد تحولت عن مسارها الصحيح والمنطقي، وتحولت إلى استغلال بعض الأطراف للبعض الآخر، وهو استغلال لا يقف عند حد لكنه يمتد ويطول ليطال مصالح المجتمع والبلد في جوانب كثيرة. كل التنازلات التي يقدمها طرف من باب المراضاة لن تفلح في كبح جماح الاستغلال والطمع غير المدروس وغير الأخلاقي الذي تنفتح شهيته على كل شيء. أعلم أن هناك مراضاة تأتي من باب إثبات حسن النوايا في قضايا الحوار والمفاوضات هنا أو هناك، ولإثبات صدق التوجهات لمعالجة قضية أو تجاوز معضلة، وأعلم أن المراضاة قد تكون من باب تأليف القلوب وترويض النفوس من أجل مصلحة كبرى للبلد وللناس. لكن أن تتحول العملية إلى منهاج يستغله من لا يملك حقاً، أو صاحب حق جاهل يريد أن يأخذ أكثر من حقه أضعافاً مضاعفة أو يأخذ حقه وحقوق غيره؛ فهنا لم تعد المسألة معقولة ولا مقبولة. أصبحنا أمام وضع لا تسير فيه الأمور إلا بالعطاء والمراضاة، وغاب كل حرص على مصلحة البلد من قبل الطرف المستفيد، وقد تحول أصحابه إلى أطفال لا يكفّون عن البكاء والشكوى إلا بالمصالحة المادية أو المعنوية وبالمراضاة كما يراضي الوالد أبناءه الصغار!!. غالباً ما ينسى الطرف أو الأطراف المستفيدة مسئولياتهم وما ينبغي أن يكونوا عليه؛ فيركنوا إلى المراضاة وتقديم التنازلات من الطرف الآخر ولو كان ذلك على حساب قضية مصيرية أو على حساب وطن وشعب. أقول إن أسلوب المراضاة سوف يشجع على المزيد من ذلك، وسوف يشجع أطرافاً أخرى على العمل من أجل الحصول على شيء من ذلك، وهناك سوف تصعب العملية وترتفع تكلفتها؛ ليست المادية فقط؛ بل التكاليف السياسية والاجتماعية، وسوف تكون النتيجة على حساب المبادىء وعلى حساب التشريعات والقوانين وغير ذلك مما لا ينبغي إخضاعه للمساومة والمراضاة. لقد قدمت تنازلات عديدة وكثيرة في أماكن مختلفة لمن لا يستحقون ولغير أصحاب حق، فما أفادت شيئاً، بل فتحت باب المزيد منها، وانظروا إلى حجم التنازلات التي قدمها العرب والفلسطينيون تحديداً في رحلة المفاوضات مع اليهود. فما أغنت عن شيء بل فتحت شهية المستفيد لمكاسب أخرى، وظلت المشكلة قائمة وزادت تعقيداً، وذهبت كل التنازلات هباءً منثوراً؛ لأن من ليس له حق لا يقنع. هذا شاهد واحد فقط، ودائماً نقول إن المراضاة سيئة في قضايا لا تحتمل هذا النوع من السياسة ومن حسن النية، وفي كل الأحوال لابد من أساس وأسس يجب الالتزام بها مسبقاً. لأن ما يحدث تحت مظلة "المراضاة" سوف يعقّد المسألة طالما هناك من يستغلها استغلالاً سيئاً.