لاتزال حالة التخبط والعشوائية التي يعيشها الناس بسبب الارتفاع المفاجئ للأسعار تؤثر سلباً في إنتاجهم ونشاطهم وقدرتهم على مواكبة الموجة المالية التي رفعت أسعار كل شيء ولم تضعها بعد، وبالرغم من تراخي الأزمة وبزوغ انفراجات صغيرة عالمية تبشر بسياسات مالية قادرة على السيطرة إلا أن الحبل عندنا مازال مشدوداً على آخره.. والخوف أن ينقطع الحبل فيسقط الفريقان في وحل الصراع المادي الذي دمر اقتصاد كثير من الشعوب، لكن المسألة عندنا في اليمن ليست مسألة أسعار فقط بل هي مسألة انتهاز الأزمات وتصنيعها من جديد وخصخصتها لصالح التجار فحين ارتفع الدولار ارتفع سعر علبة الزبادي والحقين والخضار والفواكه المنتجة محلياً فما الذي أدى إلى ارتفاعها وهي مزروعة ومحصورة ومعبأة يمنياً؟! هل تعلم الجهات المختصة بتحديد أسعار المواد الغذائية أن هذه المواد أصبحت مادة للتلاعب وتحميل المواطن فوق طاقته، هل تعلم الجهات المسئولة عن تحديد أسعار اسطوانات الغاز أن أزمات انعدام الغاز هي أزمات مفتعلة القصد منها مضاعفة الربح المادي الحاصل من بيع الغاز؟!، وهل تعلم وزارة الصحة أن التلاعب بالأسعار يطال أدوية السكري والأمراض التي من المفروض أن تكون مدعومة كونها أمراضاً مزمنة ومتزامنة تماماً مع الحالة الاقتصادية الصعبة التي يعانيها الوطن، هل تعلم وزارة الصحة أن إدارات بعض المستشفيات الحكومية تقوم بتأجير غرفها للمرضى حالها في ذلك حال المستشفيات الخاصة؟ وهل تعلم وزارة الصحة أيضاً أنها بحاجة إلى إعادة تأهيل الأطباء والممرضات في جميع المستشفيات الحكومية أو الخاصة لأنهم لم يعودوا قادرين على التعامل مع المرضى بإنسانية سليمة لأنهم أيضاً أصابتهم حمى الارتفاع المادي، وهل تعلم وزارة الاتصالات أن مجموعة كبيرة من المتقدمين إلى مكاتب البريد للحصول على هواتف أرضية بعد الإعلان عن تخفيض سعر التوصيل من منتصف شهر شعبان الماضي لم يحصلوا عليها حتى الآن وأن الذين حصلوا عليها لم يتسنى لهم ذلك إلا بعد دفع المبلغ المعلوم “حق القات”، وهل تعلم وزارة النقل أن الكثير من باصات المواصلات العامة لا تلتزم بعدد الركاب المحدد سلفاً على الحافلات أو الباصات وتجبر النساء على الجلوس جماعات على مقعد واحد؟ وأن سائقي الباصات لا يحركون ساكناً تجاه الأشخاص الذين يدخنون السجائر عمداً في وجود الأطفال أو الذين يتلفظون بقذارة أمام الصغار فقط بغرض لفت نظر النساء أو إحراجهن، أم أن هذه حريات شخصية وأن هذه الجهات ليس من شأنها تأديب وتهذيب الناس، وإذا كانت هذه هي وجهة نظر الجهات المسئولة ففي نظري هي جهات غير مسئولة عن أي شيء حتى نفسها. أعترف أن الفساد ينتشر يومياً مع بزوغ الشمس عندما يستيقظ البشر من سباتهم لكنه لا ينام معهم إلا وقد دمر وذل وأوجع آخرين ممن لا يملكون ولا يستطيعون سبيلاً.. وأعترف أن جميع إدارات الدول عربية أو غربية تعاني من الفساد لأن جميع العاملين فيها بشر! نعم بشر يتبعون الشيطان ولا يريدون لأوطانهم الخير لأنهم لا يعملون وفق ضمائرهم وإنما وفق ريموت المصلحة الذي يملك أزراره آخرون ممن لا نعلمهم. لكني أيضاً أعترف أن الفساد الذي نعانيه نحن فساد من نوع آخر فريد عجيب ليس له شبيه أو مثيل، لأنه فساد خالطته الحاجة والفقر وقلة المواطنة أو انعدامها. فساد يتوشح القبيلة ويمتطي صهوة العادات والتقاليد ويتحدث باسم الدين ويجاهد في سبيل الديمقراطية وهو لا يعرفها.. فساد لا يتناسب أبداً مع حالنا ولا ينسجم مع أصولنا، فساد تحصيل حاصل، فساد بالصدفة، عندنا فساد مميز جداً ينهب ماهو منهوب أصلاً، ويدغدغ بشراً من الخشب، ويصرخ في مساحة صمت لا تتسع إلا له! فهل يعلم المعنيون كل هذا الفساد الذي يعانيه المواطن ليل نهار ابتداءً بمدير أو مديرة مدرسة لأطفاله وانتهاء بوزارة لا تعلم تحديداً كيف تتجاوز أزماتها العابرة؟! فإذا كانت وزارة الصحة مساهمة بامتياز في انتشار الأمراض، ووزارة التربية مصدر تجهيل للشباب، ووزارة المواصلات تمنع المواصلات تمنع الوقوف قطعياً أمام مكاتبها، ووزارة الإسكان عشوائية من قمتها إلى قاعدتها فما العمل؟ بالمناسبة لماذا لا نحلل كلمة وزير أو وزارة ربما يعود أصلها إلى وزر أو يزر وفي كلا الحالتين معناها يحمل والمعنى إذاً أن الوزارة هي الحاملة لهموم الناس ومشاكلهم، صحيح أن هناك أعمالاً تنجز وصحيح أن هناك مخلصين يعملون لكن الأعمال التي لم تنجز أهم من تلك التي أنجزت والخائنون لأماناتهم أيضاً بالمرصاد، فكيف إذاً يتعلم جاهلنا ويستطيب مريضنا ويسكن مشردنا ويعبر المشاة إلى أرصفة الشوارع ونحن كما نحن نؤمن بالجان ونخشى القطران، نسكب زيت أطماعنا على نار جهلنا حتى أصبحنا هشيماً في طريق الحضارة، الوزارة لا تنتقل بالوراثة إلا إذا أصبحت مرضاً دون أن ندري، نحن ككتاب لسنا خارج دائرة الفساد بل إننا مسئولون عن تحديد تلك الدائرة تحديداً دقيقاً ليتمكن الجميع من إدراك المشكلة ومحاولة وضع الحلول المناسبة لها ونحذر دائماً من استشراء الفساد ووصوله بأي شكل من الأشكال ليسكن محابرنا لأننا بذلك حققنا المقولة الشائعة: بالملح نصلح ما نخشى تغيره فكيف بالملح إن حلت به الغير هذا إذا كنتم معي أن المثقفين هم ملح المجتمعات إذا كان حكامها سُكرها! السُكر المعقود على نار المسئولية.