أكثر من مشهد يمر على شريط الواقع يرسم لنا بأحداثه خطوطاً مُتعرجة وأخرى متقطعة، يتضح لنا من خلالها أن التعليم أصبح مُحدداً بالمكان فقط !! أمهات الألفية الثالثة أصبحن يوكلن جزءاً من أدوارهن بتعليم أبنائهن لعصا المُدرّسين، ولم يدركن أنهن اللبنة الأولى والأساسية للتربية والتعليم، وأن دور المدرسة يأتي بعد دور الأب والأم، فنجد البعض منهن حتى لا نظلم الجميع تهتم بدايةً بتعليم ابنها أن ينطق (ماما وبابا) وكيف يلبس ويأكل بنفسه، وتتجاهل بعضهن أن هناك أموراً أخرى يلزم عليهن ترويضه عليها. أبسط مثال هو ما استوقفني إحدى المرات حينما كنتُ أستذكر لابن جيراننا أحد دروس التربية الإسلامية، اتضح لي أنه لا يميز بين دعاء دخول الحمام من دعاء الخروج، فتأكدتُ حينها أن أسرته لو علمته قبل ذلك لكان سهّل على ابنهما دروس المنهج وخفف عليّ وعلى مُدرسته حريق الأعصاب!! على الجانب الآخر ومع ابن من النوع الآخر وجدته لا يتعدى سبع سنوات من عمره ولكنه يحفظ من السور القرآنية ما قد يدرسه بالصف الأول الدراسي ويكتب ويقرأ جيداً باللغتين العربية والإنجليزية بل ويستخدم الكمبيوتر جيداً، وكنتُ أظنه دخل مدرسة خاصة، ولكنه تعلّم كل هذا بالبيت، وكنتُ أندهش عندما أراه يتعامل مع الجميع باحترام فلا يمل أبداً من كلمة (شكراً عمو..حاضر عمه)..سعدتُ جداً به وحينما استجوبت والدته أخبرتني أنها مع والده عوداه على هذه الممارسات والأخلاقيات قبل دخوله المدرسة حتى يُصبح متفوقاً ومتميزاً، وبالفعل وجدت علامات الطفل في المدرسة جميعها «امتياز»... هكذا نُريد أطفالنا...نريدهم يدخلون باب المدرسة بعدما تعلّموا أساسيات، إضافة إلى القراءة والكتابة، فمثلاً يعرفون ضرورة غسل اليدين قبل وبعد الأكل ويعرفون أركان ومبطلات الصلاة, يعرفون كيف يلقون السلام وكيف يُنصتون للكبير وغيرها من الممارسات والأخلاقيات. لا أن نتركهم يلجون المدارس ينتظرون عصا المدرس لتُعلمهم هذه الأساسيات والتي من المفترض أنهم تعلّموها قبل دخول الصفوف... نحن سنضمن بتعليمهم داخل حدود البيت أنهم قد شربوا الأساسيات، ولو تعب الآباء والأمهات في ذلك فإن ذلك سيخفف العبء عنهم بعض الشيء بعد ذلك وستكون سنوات الدراسة لأبنائهم عملية بناء على أساس قوي جداًً, وسيكون الطالب قادراً على تحمّل مسؤولية الدراسة طالما هناك أب وأم وأساس متين، ويأتي بعدها دور الكُتب كخطوة ثانية نحو صعود سلالم العلم التي ترفع من شأن الإنسان والأسرة والمجتمع وصولاً إلى رفعة البلد نفسه. أخيراً ينبغي على أرباب الأسر إحاطة بذور التنشئة الصالحة لأبنائهم بعين الرعاية تماماً كعين أم ترعى وليدها حتى تُثمر جيلاً يعي جيداً ماذا يعني التعليم ويعي المسؤولية التي يحملها على عاتقه لمجرد أنه حَمل أساسيات داخل حقيبة فِكره قبل ما يحمل كُتباً في حقيبة مدرسته.