تتوالى هذه المناسبة العظيمة ,هذه التي تذكر بقيمة اختص الله بها أمة أفضل رسول وأكرم نبي سيدنا محمد أشرف الخلق محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم، عليه أفضل الصلاة والسلام، إنها قيمة الهجرة النبوية المباركة.. لم تكن هذه القيمة الشريفة الكريمة غير درس من دروس النصيحة والفداء والوفاء معاً ,ولم تكن غير درس يتعلم منه المسلم كيف أن المال والأهل والعيال والدنيا، كل ذلك يمكن أن يقدمه المسلم قرباناً يحتسبه لوجه الله وفي سبيله، وكيف أن المسلم ينبغي أن يثق بوعد الله ويصبر منتظراً تحقيق هذا الوعد ,لأن الله لايخلف الميعاد.. أمر الله نبيه الكريم سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام أن ينذر قومه إن لم يتبعوه ويؤمنوا برسالته , جاءهم بمكارم الأخلاق ,فالدعوة الجديدة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ,تدعو إلى إلاه واحد ,هو خالق السماوات والأرض وموجد الأشياء من عدم , يحيي ويميت ,يأمر بالصلاة يؤديها المسلم خمس مرات في اليوم، يعلن فيها الخضوع لمولاه والتسليم بمشيئته والرضا بأحكامه، وبالزكاة يؤديها الاغنياء إلى الفقراء، وبصلة الرحم وتأمين الطرق للعابرين، وبالمساواة بين الناس ,دون اعتبار لحسب أو نسب أو غنى أو جاه، وأن أحكام شريعة الإسلام يستوي أمامها السيد والعبد ,فلما رفض مشركو مكة هذه الدعوة ,أمر الله رسوله بالصبر على الأذى فصبر على أشد أنواع الأذى ,غير أن هذا الأذى عندما اقترب من النيل من حياة النبي الكريم ,واقترب الوضع من التنفيذ، أمر الله رسوله بالهجرة إلى المدينةالمنورة ,ليس من أجل الخوف على حياة نبيه مجردة , بل إن هذه الحياة تحمل مشعل رسالة الهدى ,ولأن هذا الهرب هو بداية لجهاد متكافئ يضمن تحرير مكة وأهلها من عبودية الإنسان من ناحية وتطهير بيته الحرام من رجس الشرك والالحاد.. كانت الهجرة إذاً درساً من دروس يتعلمها المسلم في اتباع منهج التخطيط إعداداً وتنفيذاً ,وتجميع جهد يستطيع أن يقمع القوة المتربصة بدين الله الحنيف وبعباده الموحدين المؤمنين .. إن الهجرة تعني إطراح الأنانية والذاتية المقيتة ,وفي العالم الإسلامي نحن بحاجة ماسة لأن نتربى في مدرسة الهجرة المباركة ,فننبذ الأنانية والشخصية المريضة التي لم تؤمن إلا بنفسها.. وفي اليمن بالذات ينبغي أن تفيد الأحزاب ويفيد المتحزبون من ذكرى الهجرة ليعمل جميع الناس من أجل الناس ,فقد طفح الكيل بأنانية المتحزبين واستحالت الحزبية إلى ابتزاز للشعب الذي هو بأمس الحاجة ليحيا حياة كريمة.. فهل يهجر المتحزبون مصالحهم ,هل آن لهم أن يغادروا دار المصالح إلى دار الإيثار والمحبة والتراحم والمودة.؟