أصبح المجتمع المدني بمنظماته ومؤسساته عنصراً أساسياً في منظومة المجتمع الحديث، حيث أنيط به مسئولية استدراك قصور الدولة في جوانب اجتماعية وإنسانية وسياسية، وعلى الرغم من انتشار الكثير من المنظمات الحقوقية والجمعيات الخيرية في بلادنا إلا أن معظمها لايتعدى دورها إقامة فعالية أو أكثر لهدف الإشهار واستقطاب الدعم الخارجي وخطف الأضواء الإعلامية، إذ إن القائمين عليها يعتبرونها وسيلة للاسترزاق وجلب الوجاهة الاجتماعية.. وباستثناء القليل فإن مؤشرات عدم فاعلية هذه الجمعيات واضحة للعيان لجملة من الأسباب الموضوعية والذاتية، فمن الأسباب الموضوعية حداثة هذا المفهوم في مجتمع تقليدي، وقلة خبرة القائمين على هذه الجمعيات وعدم احترافهم وضبابية الرؤية لدى البعض، وفقدان استراتيجية واضحة المعالم وضعف الثقة في هكذا منظمة والنتيجة قلة الدعم المادي الذي لايكفي أحياناً كمرتبات لموظفي هذه الهيئات. لايحتاج المرء لذكاء كبير ليدرك أن ضعف منظمات المجتمع المدني هو مرآة لحداثة مثل هذه الأساليب في التعبير المدني وضعف الثقافة المدنية، ناهيك عن اللغط الذي يُثار وأحياناً عن تبعية هذه المنظمات لأجندة خارجية. ومن العلامات الدالة على ضعف هذه المنظمات والأحزاب والجمعيات هو زيادة الجريمة والانفجار السكاني وضعف الوعي العام وغير ذلك, كل هذا بالتوازي مع الزيادة المستمرة في عدد الجمعيات الخيرية والهيئات المختلفة والمفترض فيها المساعدة على تخفيف العبء على الدولة والمسنود لها مهمة محاصرة الأمية والفقر وتحجيم التفكك الأسري وغير ذلك. ولذا على الجهات الحكومية مراقبة أداء هذه المنظمات وإعادة النظر في نظامها الداخلي وقياس مدى التزامها بمعايير إنشاء المنظمات بما يسهم في تفعيلها ورفع كفاءة أدائها بحيث تؤدي دوراً تنموياً إلى جانب الدولة. على أن بعض هذه المنظمات تعمل أحياناً في حدود إمكانياتها ولذا لايصح أن نحملها فوق طاقتها وإنما يجب التعاون مع من ثبتت فاعليتها، وعلى الحكومة تشجيع العمل التطوعي وخلق البيئة الشريعية الملائمة لإنجاح مثل هذه المنظمات ورفع الثقة فيها وعلى الإعلام الإشادة بما يمكن تسميته “المنظمة النموذج” للاحتذاء بها، لأنه لايصح الركون على الدولة في كل صغيرة وكبيرة لاسيما ونحن في مجتمع تنتشر فيه اللامبالاة في المرافق العامة ويقلُّ فيها الاهتمام بالشأن العام.