بعد المبادرة الشجاعة التي تقدم بها الأخ رئيس الجمهورية في لقائه بمجلسي النواب والشورى واعلانه تحكيم العقل وتغليب مصلحة الوطن فوق اعتبارات الجهات والأشخاص، ملبياً كل الشروط التي كان يطالب بها المشترك للعودة الى الحوار المسؤول والصادق ،ما الذي بقي اليوم أمام تكتل المشترك ليتحجج به بعد أن سقطت كل مراهناته تجاه السير نحو تصعيد الموقف وتأزيم المشهد اليمني الداخلي باستغلال الناس البسطاء ودفعهم إلى الخروج للشارع. نعم كلنا يدرك أن هناك فساداً كما يعلم الكثيرون أيضاً أن هناك متنفذين ومزايديين يقفون ضد تنفيذ أية اصلاحات من شأنها أن تقود إلى ثورة حقيقية، لأنها تهدد مصالحهم الضيقة وتعرقل مشاريعهم الانتهازية. لكن ذلك لايعني أن يعمل رؤساء وأعضاء المشترك على سن سكاكين الحقد وسواطير الكراهية تجاه أية خطوة من شأنها أن تضع خارطة طريق أمام مختلف فرقاء العملية السياسية للوصول الى صيغة مشتركة تلبي طموحات الشارع، وتضمن استقرار الأوضاع والخروج بالبلاد من متاهات الانزلاق في أتون مشاكل داخلية، لم تعد البلاد ولا المواطن قادراً على تحمل تبعاتها ومخاطرها اللاحقة. إن المشترك اليوم أمام محك حقيقي، خيارين لا ثالث لهما، فإما أن يعلن سلامة نيته ووقوفه مع أمن واستقرار الوطن والمواطن، باستغلال الدعوة الموجهة من الأخ رئيس الجمهورية إلى العودة للحوار، بعد أن تمت تلبية مطالبهم المتمثلة بتأجيل الانتخابات، وهو أهم شروطهم اضافة لإلغاء التعديلات الدستورية المقترحة وعدم تمديد فترة الرئاسة، والعمل على منح صلاحيات واسعة للحكم المحلي، والأخذ بالقائمة النسبية في الانتخابات النيابية، وهو الأمر الذي جعل الكرة الآن في ملعبهم وأمام أعينهم وأقدامهم، ليثبتوا للمواطن أن لديهم رؤية واضحة وأجندة محددة يسعون لتنفيذها، وليس مجرد فقاعات الهدف منها جر السلطة والبلد نحو التأزيم واختلاق المشاكل، والخيار الآخر هو أن يواصلوا استقدام الحجج الواهية التي دائماً ما يقدمونها عند أي تقارب، والتي بدأ يطرحها عدد من قياداتهم بالفعل، من خلال الحديث عن أن مبادرة الرئيس التي أعلنها قبل يوم واحد من إقامة مسيراتهم الاحتجاجية التي دعوا إليها منذ أكثر من أسبوع جاءت متأخرة، مؤكدين سيرهم في مسيرات التصعيد التي بدأوها بالفعل رغم سقوط الحجة على إقامتها، والتي يخططون من خلالها أو يتوهمون أنهم سيفرضون ما يشبه الواقع التونسي أو المصري، وهم في ذلك يؤكدون سوء النية المبيتة، ويعكسون وقوفهم تجاه أية خطوات من شأنها الخروج بالوطن من دائرة التجاذبات الضيقة. على المشترك اليوم أن يعلن مصداقيته وقوته بوقوفه مع الجماهير التي ينادي باسمها، من خلال المواجهة بالحجج وليس الهروب إلى نفق الصراعات المظلمة التي من شأنها الإضرار بالوطن والمواطن، والمواجهة تكون في ميدان السياسة بتقديم الحلول والمقترحات للقضايا الوطنية والمحورية والإصرار عليها وعلى تنفيذها، والكشف عن الفاسدين والدعوة إلى محاكمتهم، وإطلاع الشارع بها خطوة فخطوة لمعرفة الحقيقة ومن يقف وراء عرقلتها، وذلك لن يكون الا بشراكة فاعلة واضحة سواءً في دخول السلطة أم البقاء في المعارضة، بدلاً عن إعلان الاستسلام عند أبسط مشكلة، فالمعارضة الناجحة هي الوجه الحقيقي للسلطة، وأهم عناصر الإصلاح فيه، وندعوهم إلى عدم الركون لتجربة تونس ومصر، فلكل مجتمع ظروفه وخصوصياته، وليس كل تجربة قابلة للتنفيذ والنجاح، كما يجب أن تكون مصلحة اليمن فوق كل الاعتبارات وكل المصالح الضيقة. والشيء الذي يجب أن يعيه الجميع للوصول إلى اتفاق هو ضرورة التعاطي مع دعوة رئيس الجمهورية بعقلانية، ليس من باب أنها جاءت بدعوى التراجع المشوب بالخوف، ولكن من باب التنازل الشجاع الذي يراعي مصلحة الوطن ويحافظ على مكتسباته الثورية والوحدوية والديمقراطية التي كفلت للجميع حرية الرأي والتعبير، بعيداً عن لغة التسلط والاستفراد بالرأي والغوغائية.