على امتداد قرن كامل (العشرين) لم تتوفق الأنظمة السياسية التي تعاقبت على حكم اليمن قبل عهد الرئيس علي عبدالله صالح إلى أي إنجاز ذي أهمية تاريخية, مثلما لم تتوفق إلى نهاية طبيعية لعهدها خارج حلبات الانقلابات والاغتيالات التي ظلت تمثل قدراً حتمياً للمعادلات المعقدة للسياسة في اليمن، والتي كان الزعماء يخفقون في الحفاظ على توازناتها, أو استلهام تجاربها. فالإمام يحيى بن حميد الدين غادر عرشه برصاصات الثوار, وكذلك كان مصير نجله الذي خلفه الإمام أحمد, فيما الإمام البدر فرّ من كرسيه قبل أن يكمل نصف عام إثر اندلاع ثورة 1962 الجمهورية.. والمشير عبدالله السلال وبعده القاضي عبدالرحمن الإرياني غادرا الرئاسة بانقلابين, ثم الرئيسان إبراهيم الحمدي, وعبدالله الغشمي استشهدا برصاص الغدر.. والمشهد نفسه يتكرر مع قحطان الشعبي وسالم ربيع علي, وعبدالفتاح إسماعيل, وعلي ناصر محمد ، انتهاء بالرئيس علي سالم البيض الذي أحرق تاريخه السياسي بنفسه بمغامرة حرب الانفصال.. إن جميع الزعماء المذكورين لم يخلفوا بعدهم أي منجز وطني عملاق يحفظ أثرهم, رغم أن بعضهم كان لديه مشروعه الوطني، غير أنه رحل قبل أن يكمله كما هو الحال مع الحمدي وسالمين اللذين كانا على وشك توقيع اتفاقية الوحدة لولا أنه تم اغتيالهما.. وكذلك القاضي الإرياني الذي وضع أول دستور دائم للجمهورية, ووقع أول اتفاقية للوحدة 1972م, لكن كل ما تحقق لم يكن يرتقي إلى مستوى الهم اليمني الأكبر وهو إعادة توحيد اليمن, ثم الانعتاق من الحياة البائسة ورفع قواعد الدولة اليمنية الحديثة. ولعل أحد أكبر أسرار العهد الحالي هو أن الرئيس علي عبدالله صالح استلهم تجارب كل من سبقه من الزعماء اليمنيين ووقف على مواضع نجاحهم وإخفاقهم, فمثل له ذلك موروثاً ثقافياً ثرياً ساعده على البقاء في الحكم, وأيضاً على تحقيق كل ما كان يحلم بتحقيقه أسلافه, وأولها إعادة توحيد اليمن ثم الديمقراطية والتنمية الاقتصادية. عندما نتحدث عن عهد الرئيس علي عبدالله صالح ينبغي أن نكون أمناء ونصون شرف الكلمة مهما كان انتماء أحدنا أو توجهاته الفكرية, فليس في الأمر تزلف أو تملق حين نشهد له بما أنجز وحقق لليمن؛ لأن من يقف على منبر وينتقد أو يجحد الإنجاز أو حتى يشتم، الأحرى به أن يتذكر أن حريات التعبير لم تكن يوماً مكفولة لمواطن يمني إلا في عهد الرئيس علي عبدالله صالح.. ومن يخرج إلى الشارع يتظاهر ويهتف ضد النظام، الأجدر به أن يتذكر أن التعددية الحزبية وحق التظاهر كان محرماً في دستور الجمهورية ولم يكفله لليمنيين إلا الرئيس علي عبدالله صالح، ليس بدءاً بدستور الوحدة 1990م بل منذ 1982م حين أطلق التعددية السياسية تحت مظلة المؤتمر الشعبي قبل أن يطلق دستور الوحدة والتعددية الحزبية. لا أحبذ المقارنة أو استعراض ما عمله الرئيس لليمن؛ لأن اليمنيين أعرف مني بالحقيقة وبالواقع الذي انتشل الرئيس منه الوطن, وبالتحديات التي واجهت البلد والمواقف التي ترجمها تجاهها.. لكنني أود التذكير بأمرين مهمين: أولهما أن جيل الشباب يفتقر للكثير من حقائق الماضي ليس فقط حول العهد السياسي وإنما أيضاً حول الأدوار النضالية لكل الرموز الوطنية اليمنية التي بلغ بعضها من العمر عتياً, وإن كل واحد منا مسئول على حفظ مكانتهم وتقديرهم وإنزالهم المنازل التي يستحقونها,؛ لأن نكران الجميل ليس من أخلاق المسلم.. فلنغرس في نفوس أبنائنا الاعتزاز بكل من خدم الوطن حتى ولو بحرف واحد.. أما الأمر الثاني فهو أن حياتنا العصرية جعلت طموحاتنا كبيرة جداً, بل غالباً أكبر من إمكانياتنا, وعلينا أن ندرك أن الرئيس لا يملك عصا سحرية لتلبية كل ما نتمنى, بل يمتلك الإرادة السياسية والإخلاص لشعبه وهو ما يجب استثماره بوضع أيدينا بيده لانتشال الوطن من كل ما يعانيه, ولتصحيح أي أخطاء.. أما أن نقطع الطريق ونثير الفوضى وننتظر من الرئيس أن يمضي بمسيرة الدولة، فهذا ضرب من الجنون.. وأخيراً أقول: شكراً لكل القوى السياسية التي أسقطت رهان الفوضى وأكدت للعالم مجدداً أن الحكمة يمانية رغماً عن أنوف كل المتربصين باليمن سوءاً..