وبعد كل الإرهاصات التي آلت إليها الاحتجاجات .. والتعاطي السلبي مع سلة الإصلاحات وخيارات التغيير المقدمة من الأخ الرئيس .. كان على عجلة المبادرات أن تتوقف عند المستوى الذي أعلن عنه حتى الآن، لتصبح الآن استحقاقاً شبابياً وشعبياً غير محتكر على أحزاب اللقاء المشترك. ولا نقصد بهذا ممارسة الإقصاء في واقع يؤمن بالتعددية، وإنما نشير إلى التعاطي السلبي مع باقة الإصلاحات التي قدمت والتي استوعبت كل سقوف المطالب التي قدمت ، ذلك أن مبادرات الرئيس، أصبحت تنتظر من ينهض بتنفيذها. ولم نعد في مربع تحديد سقف التغيير ،بل أصبح الجميع في مربع التوافق على آلية ذلك التغيير دون الحاجة إلى الخروج على المرجعية الدستورية القائمة، بل البناء على ما أنجز ديمقراطياً، باعتبار أن وجود المعارضة هو جزء من هذا الإنجاز ونتيجة له. وجاءت الدورة الرابعة للجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام لتضع تلك البدائل والأفكار على محك التنفيذ من طرف غالبية الشعب اليمني التي ارتضت وأيدت تلك المبادرات، باعتبارها خيارات تحقق سقف التغيير المطلوب دون خسائر أو مجازفات أو مغامرات قد تقود البلاد إلى المجهول ، وهي مسؤولية يثبت المؤتمر الشعبي العام أنه في مقدمة من يتحملها مثلما عودنا على ريادته الوطنية في المنعطفات الوطنية الصعبة. وأعادت الرؤية المؤتمرية التي جسدتها مضامين البيان الختامي لدورة اللجنة الدائمة الاعتبار للمرجعية الدستورية والشرعية الديمقراطية وشرعية الأغلبية الشعبية التي تستلزم تحقيق التغيير عبر رؤية وآلية مؤسسية، وليس عبر الشارع أو الفوضى أو العنف أو احتكار القرار الشعبي من قبل المعارضة ومن لف لفها من الفئات التي تشكل خطراً على حاضر ومستقبل البلاد، والمتمثلة في: تجار الحروب، وتجار السلاح، وتجار الدين، وتجار السياسة، وتجار المخدرات، وعناصر التطرف والإرهاب. وأتصور بأن إعادة الجميع إلى سكة الديمقراطية مسألة هامة ورهان صحيح لا يكبح التغيير ولا ينتقص منه، بقدر ما يرسم له طريقاً أكثر أمناً وسلامة، وهو خيار يعزز إيمان وشجاعة الأغلبية في تمسكها بخياراتها ومصالحها وثباتها على الحق المعبر عن الضمير الجمعي للشعب وانتصارها له. وفي الوقت الذي ننتظر من المؤتمر تشكيل حكومة قادرة على النهوض بذلك الإصلاح والتغيير، فإننا نعول على تفاعل الأغلبية الشعبية معها وحيوية التعاطي مع أولوياتها وخاصة الشباب والنخب المدنية والسياسية ، وعلى أن يظل باب الحوار مع المعارضة ومشاركتها مفتوحاً في كل المراحل ، دون أن يعطلنا ذلك عن البدء في تحريك عربة التغيير. لقد أصبحت خارطة التغيير المنقلب على الديمقراطية المراهنة على الشارع واضحة وجلية ، بحيث أصبح الشعب يرى بوضوح ملامح ما يراد انتقال اليمن إليه من عودة إلى ما قبل الدستور وما قبل التعددية وتصفير عداد الديمقراطية بعد أن رفض الرئيس تصفير عداد الرئاسة. صار من الواجب على الشباب الآن أن ينظروا من حولهم في ساحات الاحتجاجات ويعرفوا من يقودهم وإلى أين يقودهم ؟ وأصبحوا مؤاخذين على انجرارهم وراء قوى التخلف التي تجر الجميع إلى مربع العنف وإلى ما قبل المجتمع المدني. إن المشروع المدني الذي يحلم به الشباب ويعملون من أجله، والذي يشكل قاسماً مشتركاً لنا جميعاً لا يمكن أن يعبر عنه من خلال انقلاب على الديمقراطية تنفذه قوى تقليدية ورجعية وسلفية منغلقة على ذاتها الفكرية ومشاريعها الذاتية الضيقة ، بل إن العمل الديمقراطي المؤسسي فقط هو الكفيل بالعبور بذلك المشروع إلى بر الأمان. وعلى الشباب والمجتمع أن يراهنوا على بناء أدوات الانتقال الديمقراطي وحمايتها ورعايتها والاصطفاف حولها، لأنهم معنيون بالمستقبل أكثر من الأحزاب التي لها ثأر مع النظام ومع الديمقراطية. إن العبور إلى مربع التغيير المدني المنشود يحتاج منا جميعاً إلى يقين بقدرة اليمن واليمنيين على بناء تلك الأحلام دون السماح بجر المجتمع إلى خيارات العنف والفوضى والتخريب التي يمكن أن تدمر كل ما بني في عمر الثورة والوحدة والديمقراطية ، والمثل الشعبي يقول : كثير دائم ، ولا قليل منقطع .