لم تكن الوحدة اليمنية الغالية حدثاً عادياً في تاريخ وحياة شعبنا وأمتنا العربية والإسلامية بل مثلت نقطة التحول الكبرى في مسيرة شعبنا اليمني العظيم نحو التطور والنماء. وفي خضم الأزمة السياسية التي يمر بها الوطن اليوم ونحن على أعتاب ذكرى إعادة تحقيق الوحدة اليمنية الغالية على قلوبنا جميعاً, أجد نفسي ومعي كل من يحمل حباً وعشقاً لوحدة هذا الوطن الحبيب في غاية الخوف والقلق على مستقبل هذه الوحدة الغالية في ظل التحديات والمخاطر التي تواجهها اليوم وتعالي أصوات ودعوات كالانفصال وفك الارتباط أو حق تقرير المصير وتحرير الجنوب العربي وغيرها من الدعوات التي تطلقها أطراف وشخصيات داخلية وخارجية, وفى المقابل نجد انخفاض وتلاشي الأصوات والكتابات الداعية إلى ضرورة الحفاظ على الوحدة وحمايتها خصوصاً في هذا التوقيت الذي يواكب ذكرى تحقيقها في الثاني والعشرين من مايو 1990 م . وشتان بين الأمس واليوم بين مظاهر ومهرجانات الفرح بالوحدة في عيدها العشرين العام الماضي وبين ما نعيشه اليوم وبالذات في شهر الوحدة مايو الحالي من أزمة سياسية ألقت بظلالها على مختلف جوانب حياتنا وبددت مشاعر ومعالم الفرحة والسرور من قلوبنا ووجوهنا تجاه أي مناسبة جميلة وذكرى عزيزة علينا ولو كانت بحجم وروعة وأهمية مناسبة وذكرى إعادة تحقيق وحدتنا الغالية. وإذا كنا لا ننكر تماماً بأن مسيرة الوحدة اليمنية قد اعترتها العديد من الصعوبات ومظاهر القصور والتجاوزات والممارسات الخاطئة, والتي لابد من العمل على معالجتها والتعامل معها بالشكل الذي يعزز من قوة بنيان هذه الوحدة ويزيد من التلاحم والانسجام بين مختلف أبناء هذا الوطن الواحد, فكل حدث عظيم بحجم الوحدة لابد أن تعترض مسيرته صعوبات وتجاوزات وأخطاء, لكن ذلك لا يعني أن تشكل هذه الصعوبات والتجاوزات والأخطاء مبرراً للردة والانفصال والعودة بوطننا إلى ما قبل الثاني والعشرين من مايو 1990م, لأن هذه الصعوبات والأخطاء والتجاوزات نتاج تصرفات وممارسات خاطئة لأشخاص أو أطراف سياسية هنا وهناك ومن السهل معالجتها وإزالة مسبباتها وآثارها بالحوار الجاد والمسئول بين مختلف أطراف العمل السياسي على قاعدة الحفاظ على الوحدة وتصحيح مسارها وليس الرجوع عنها وتقويض بنيانها. فالخلافات والتباينات في الآراء والمواقف بين الأحزاب والتنظيمات السياسية في بلادنا الحبيبة يجب أن تكون في إطار حرص الجميع على وحدة الوطن وتقدمه وأمنه واستقراره، لأن الوطن ملك للجميع وليس ملكاً لجهة أو فئة محددة أو حزب أو تنظيم معين والوحدة اليمنية ملكنا جميعاً كيمنيين لأنها سر تقدمنا ونهضتنا وعنوان وجودنا ومصدر عزتنا بين الأمم. ويمكن أن نختلف كأحزاب وتنظيمات في سياسات واستراتيجيات وأساليب الحفاظ عليها وترسيخ دعائمها. لكن لن نسمح كشعب لأي فئات أو أحزاب أو جهات أن تمس أو تهدد كيان وحدتنا العظيمة. فالوحدة اليمنية لم تكن حدثاً عرضياً فاقد الخلفية والدلالة، بل كانت حدثاً غيّر مجرى التاريخ الحديث، وألهم الحياة العربية والإسلامية أبجديةً جديدة؛ أبجدية الوحدة والقوة في زمن أرهقنا ذلاً وطغياناً، والوحدة اليمنية ليست وليدة الساعة ولا مجرد حدث عابر جاء ليذهب ولكنها قدر ومصير الشعب اليمني وما كان لها أن تتحقق وتترسخ لولا التضحيات الجسيمة التي ذهبت في سبيل تحقيقها وترسيخ دعائمها قوافل من الشهداء. الوحدة هي القوة والثبات والإصرار الذي لا يعترف بأيٍّ من المستحيلات، وأهميتها الآن لا تقلّ عن أهميتها فيما مضى، إن لم تكن تتعاظم يوماً بعد يوم؛ لأن العصر الذي نعيشه لا يعترف بالضعفاء والصغار. فهي الخير العظيم والصبح المبين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وما عداها هو الشر بعينه. وانطلاقاً مما تقدم يجب على كل أطياف العمل السياسي في هذا الوطن أن يدركوا جيداً أن وحدتنا الغالية تمر اليوم بمنعطف خطير في مسيرتها وهناك من يتربص بها شراً مستغلاً الظروف والأحداث التي يمر بها وطننا اليوم , وبالتالي يجب عليهم أن يتقوا الله ويحافظوا على هذا المنجز وأن لا يسمحوا لأحد أياً كان الالتفاف عليه تحت أي مبرر أو ذريعة، لأن عجلة التاريخ لن تعود إلى الوراء وإذا عادت تعثرت وبالتالي لم ولن تتقدم مرة ثانية إلى الأمام. ويجب علينا جميعا الوقوف بكل صدق وقوة مع الوحدة وبذل النفس والنفيس لتبقى وحدتنا راسخة لا تزعزعها رياح ولا تحجبها ظلمات، فالوحدة بالنسبة لنا هي القلب النابض بالعزة والكرامة ولا يمكن بأي حال من الأحوال وفي أي زمان ومكان لأي إنسان طبيعي أن يتنازل عن كرامته أو أن يسمح لأحد أن ينتقص منها، فالحياة بلا كرامة لا معنى لها وهي كذلك بدون الوحدة لا قيمة لها. حفظ الله وحدتنا الغالية من شر كل ظالم ومتربص بها وحاقد عليها ومن كل من يحاول تقويض بنيانها إنه ولي ذلك والقادر عليه وحسبنا الله ونعم الوكيل . (*) أستاذ التسويق المساعد جامعة تعز [email protected]