لا بأس أن نستلهم ديستوفسكي في اقتباس هذا العنوان.. ليمنحنا شحنة كافية من الدلالات على موضوع لا يربطه بواقع التخييل الروائي إلا مستوى الغرابة والمفارقات والتداعيات الدرامية.. إلا أن الجريمة التي نحن بصدد الحديث عنها قد اتخذت لها مكاناً مقدساً هو جامع النهدين بدار الرئاسة بالعاصمة صنعاء، وزمناً مقدساً هو مفتتح رجب الحرام في 3 يونيو 2011م. وبتجاوز قداسة الزمان، وقداسة المكان، وقداسة النفس البشرية وحرمتها، فإن تداعيات الفعل الإجرامي وما ترتب ويترتب عليه من فتنة للشعب اليمني وانزلاق خطير إلى حرب تنفجر بين اليمنيين تقود إلى تدمير الوطن يختزل كل الحرمات في حرمة الوطن التي انتهكتها هذه الجريمة الإرهابية الشنعاء, التي راح ضحيتها 11 شهيداً, وكوكبة من الشهداء الأحياء على رأسهم فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح وكبار رجال الدولة الذين يرقدون في مشافي المملكة العربية السعودية الشقيقة وفي مشافي اليمن. وهي الجريمة التي استهدفت إحداث فراغ سياسي وفراغ دستوري وفراغ مؤسسي عجزت قوى الظلام والإرهاب الانقلابية عن تحقيقه عبر مسلسل التحريض على الفوضى, والعنف, والتخريب. وأبى شعارها المزيف المتحدث عن التعبير السلمي كوسيلة للتغيير إلا أن يميط اللثام عن محتواه القبيح الذي أراد به أصحابه أن يخدعوا الشعب اليمني بأساليب الدعاية والتضليل واستخدامهم الشكلي للدين كتقية لجرائمهم المنكرة وهم يختبئون وراء لحاهم النكرة. وعهدنا بالمجرم أن يتوارى ويهرب وتختبىء ويخجل من اكتشاف فعلته, وأن يتوارى عن عين العدالة, لشعوره بحجم ما اقترفه من ذنب, أما مرتكبو جريمة النهدين فهم مازالوا بين ظهرانينا يتبجحون بجريمتهم النكراء ويستفزون الشعب اليمني بفرحهم وتهليلهم لذلك الفعل الشنيع, بل يواصلون ارتكاب جرائم أخرى جديدة بحق الشعب اليمني أفراداً وجماعات بمواصلة إزهاق أرواح الأبرياء, وتعريض اليمنيين للموت من خلال التحريض على القتل وتبني أعمال إجرامية جديدة, وإقلاق السكينة العامة, ومحاصرة اليمنيين بالظلام, وقطع مصادر الطاقة, وقتل اليمنيين اقتصادياً واستهداف المصالح العامة ومؤسسات الدولة والمجتمع, واستمرار العدوانات والغزوات على رجال القوات المسلحة والأمن المرابطين من أجل سلامة المجتمع واستقراره ووحدته. إنهم يريدون للذاكرة الوطنية أن تتجاوز تلك الجريمة الكبرى والعملية الإرهابية النكراء لتنتقل إلى جرائم جديدة لا تقل بشاعة عنها, ليشتغلوا على توالي الجرائم وتتابعها, ولم توقفهم عن جرمهم حرمة شهر رمضان الكريم وحرمة الصيام, مثلما لم تردعهم حرمة المسجد، وحرمة صلاة الجمعة, وحرمة رجب الحرام. حتى المجتمع الإقليمي والدولي أرادوا أن يلهوه عن الانشغال بهذا الجرم وإدانته والتعاطي القانوني المسؤول معه, من خلال حفنة من المراسلين الصحافيين الذين يدورون في فلكهم الحزبي والفكري والأخلاقي, ظناً منهم بأن عملاً إرهابياً بهذا الحجم يمكن حجبه بمجموعة أفعال صبيانية وأحداث ثانوية وتضليلات حزبية وسياسية. إن هذا الفعل الإجرامي من حيث دلالته السياسية والفكرية والثقافية والدينية والاجتماعية ليرتقي ليس إلى جرائم الإبادة الجماعية فحسب، بل إلى ما يمكن أن نسميه مجازاً الإبادة النوعية؛ باعتباره استهدف قيادات الدولة ممن تحمّلوا مسؤولية الوطن وأداروا شؤون اليمن سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً بخبرتهم وجهدهم وعملهم الدؤوب عقوداً من الزمن, عبر مؤسسات دستورية وشرعية ديمقراطية مثلوا من خلالها الشعب من خلال صندوق الانتخابات. ولم تترك الجريمة ثأراً وطنياً وشعبياً وحزبياً فحسب, بل تركت ثأراً قبلياً ومناطقياً وجهوياً وعشائرياً, باعتبار أن المستهدفين يمثلون معظم جهات وشرائح وقبائل وعشائر اليمن. إن هذه الجريمة بكل تداعياتها المتوقعة غير قابلة للتجاوز, وإذا كانت ردود أفعالها لاتزال مؤجلة بفعل الذهول والحالة الصحية للمصابين في ذلك الحادث الإرهابي الغادر, وبفعل توجيهات وتوصيات فخامة الأخ الرئيس الحكيمة والبصيرة إلى حين, فإن اليمنيين لن يدعوها تمر دون عقاب ودون محاسبة ودون وقفة جادة وكافية عندها. الأمر الذي لا يجب معه أن نستغرق في تفاصيل يجرنا إليها الإرهابيون أو من يحركهم, على شاكلة: من يخلف الرئيس؟ وانتقال السلطة, وعجز الرئيس, وطول فترة علاجه, وحوار وطني, وتسامح وتصالح, وفتح صفحة جديدة, وانتخابات مبكرة. يجب أن تتوقف عقارب الساعة السياسية التي تريد لنا أن نلهث وراءها دون مراجعة ودون التقاط لأنفاسنا, بل يجب أن نقف بحزم وحسم قانوني أمام جريمة محاولة اغتيال الرئيس واغتيال رجال الدولة واغتيال النظام واغتيال الوطن. إذا كان المجتمع الدولي قد أعطى حادثة اغتيال الحريري, كل ذلك الاهتمام الذي لايزال يتفاعل منذ سنوات, وإذا كان لبنان لايزال محكوماً بإيقاع وتداعيات تلك الجريمة التي استهدفت شخص رئيس الوزراء, فلماذا يجب أن ينسى اليمنيون أو يتجاوزوا حادثة النهدين التي استهدفت كل اليمنيين بجهاتهم ومناطقهم وقبائلهم وعشائرهم وشرائحهم ورموزهم, وهو الحادث الذي يحمل دلالات أكثر خطراً على الوطن وأكثر تعميقاً للفتنة, وأكثر استفزازاً للقيم الوطنية والديمقراطية والدينية والاجتماعية والثقافية, وانتهاكاً للقيم الإنسانية وللقانون والقيم والعرف الدولي؟!. إن هذا الحدث الجلل يستدعي ما يمكن أن نسميه “تحالف 3 يونيو” للوقوف الشعبي في وجه العنف والإرهاب, باعتبار أن هذا التاريخ هو تاريخ فاصل بين قوى الديمقراطية وبين القوى الانقلابية, وتاريخ فاصل بين قوى الخير وقوى الشر, وبين إرادة السلام, ورغبة الإرهاب. وهو تاريخ لابد أن يصبح ذا دلالة وطنية: سياسية وديمقراطية وثقافية وفكرية, ليس من منظور ثأري بل من منظور يلغي ثقافة الثأر والتعبير الإرهابي والعنيف الذي أسس للحدث. ولابد للمجتمع اليمني والإقليمي والدولي أن يضع هذا الحدث في الصدارة من اهتمامه وأن يصبح الفاعلون تحت طائلة العدالة الوطنية والدولية, حتى لا يبقى مستقبل اليمن رهينة تلك الفتنة التي ابتدعها منتجو العنف والإرهاب وأصحاب المشاريع الانقلابية، وأن تصبح أية تسوية أو حوار مرهونين بإنفاذ العقاب الدستوري والقانوني على مرتكبي تلك الجريمة أفراداً وجماعات وعشائر وأحزاباً وتنظيمات. [email protected]