في المدينة الحالمة عاصمة العلم والثقافة تم إنشاء جامعة تعز لتشكّل بحد ذاتها أهمية خاصة وإضافة متميزة لهذه المحافظة المتعطشة دائماً للمزيد من العلوم والمعارف والمهارات, كون أبنائها الأكثر إقبالاً على التعليم والأكثر حباً وشغفاً في تلقّي مختلف العلوم الحديثة في شتى المجالات. ولهذا كنت وغيري من الأكاديميين الذين كان لهم الشرف الكبير في العمل بهذا الصرح الأكاديمي فور صدور القرار الجمهوري بافتتاح جامعة تعز أوائل التسعينيات نحلم ونتطلّع أن تكون هذه الجامعة متميزة عن غيرها من الجامعات الحكومية اليمنية كونها في محافظة متميزة ومشهورة بالعلم والثقافة؛ لكن للأسف الشديد رغم التطور الكمي في مباني ومرافق الجامعة وأعداد الطلاب الملتحقين بها والمتخرجين منها وتنوع كلياتها وتخصصاتها العلمية خلال السنوات الماضية إلا أن هذا التطور الكمي لم يصحبه تطور نوعي ملموس وفعال في جودة التعليم وجودة الأداء الأكاديمي وجودة المخرجات على مدار السنوات الماضية, حيث ازداد الوضع في هذا الجانب سوءاً وتردياً يوماً بعد يوم وعاماً بعد عام, والسبب الرئيس لذلك - من وجهة نظري - يعود إلى انتشار وتنامي داء الفساد الإداري والمالي والأكاديمي في العديد من جوانب ومرافق الجامعة مما أعياها عن التقدم والتطور واستفحل ووصل هذا الداء حداً لا يمكن تجاهله والسكوت عليه من قبل كل الجهات المختصة والحريصين على الجامعة من أبنائها ومن أبناء هذه المحافظة المتميزة؛ لأن استمرار هذا الداء لفترة قادمة يمكن أن يشل حركة الجامعة ويصيبها بالشلل التام أو الإعاقة الدائمة عن أداء دورها المطلوب والمأمول في خدمة المحافظة والوطن والمجتمع. ولهذا ومع تزايد أصوات المخلصين من أبناء الجامعة اليوم بضرورة مواجهة الفساد والمفسدين في كل مرافق الجامعة بحزم, وهو ما يتجسد من خلال جهود نقابة أعضاء هيئة التدريس في الجامعة ووقفتها الجادة ضد الفساد الإداري والأكاديمي في الجامعة, فإن الأمل بدأ يعود إلينا اليوم بغدٍ مشرق ومستقبل أفضل تعود خلاله جامعة تعز حرماً أكاديمياً فعالاً ومتميزاً وبيئة نظيفة خالية من كل أشكال ومظاهر الفساد ومناسبة لتحقيق ما يحلم به أبناء هذه المحافظة من مخرجات الجامعة وإسهامها العلمي والأكاديمي والبحثي في خدمة المجتمع والوطن.. ومن هذا المنطلق يمكنني القول إنه قد آن أوان التغيير في جامعتنا الحبيبة نحو الأفضل وفي كل الجوانب الإدارية والأكاديمية, وهذا التغيير يجب أن يكون نابعاً من حب وحرص جميع منتسبي الجامعة على تطوير أداء الجامعة وتفعيل دورها في خدمة المجتمع والبيئة المحيطة, كما يجب أن يكون هذا التغيير مدروساً ومخططاً وشاملاً يستند إلى معطيات الحاضر ومتطلبات المستقبل ويواكب التطورات في مختلف الجوانب الإدارية والأكاديمية. إن جامعة تعز اليوم في أمس الحاجة إلى تطوير أدائها الأكاديمي وبرامجها وخدماتها ومساقاتها الأكاديمية ونظم ووسائل وأساليب أداء وتقييم هذه البرامج والخدمات لطلابها والمجتمع, بالإضافة إلى حاجتها إلى تغيير العديد من قياداتها الأكاديمية والإدارية التي ثبت فسادها والتي مضى على تعيينها أعوام عديدة وأزمنة مديدة دون أن تسهم في إنتاج قيمة مضافة علمياً وبحثياً وإدارياً تحقق فائدة ملموسة لجامعتها أو مجتمعها, حيث إن العديد من هذه القيادات وللأسف الشديد حققت خلال مسيرة قياداتها الأكاديمية أو الإدارية في الجامعة قيماً مادية مضافة لنفسها عززت وضعها المادي والمعيشي في المجتمع ورسخت مراكزها القيادية لفترة طويلة الأجل وجعلتها من رموز الفساد المالي والإداري في الجامعة والمجتمع وحجر عثرة أمام أي جهود أو محاولات للتطوير والارتقاء بالأداء الأكاديمي والإداري في الجامعة, وركزت هذه القيادات جهدها في الحفاظ على وضعها ومصالحها الشخصية ومحاربة كل عنصر أكاديمي أو إداري فعال في محيط عملها يحمل فكراً حديثاً أو يمتلك رؤية متطورة وفعالة لتطوير وتحسين الأداء الإداري والأكاديمي في الجامعة باعتبار مثل هذه العناصر المبدعة تشكل مصدر خطر وتهديد لهذه القيادات ووضعها ومركزها القيادي في الجامعة؛ وذلك بدلاً من أن تركز هذه القيادات على الارتقاء بالأداء الأكاديمي والإداري في الجامعة ليواكب متغيرات العصر ومتطلبات سوق العمل من مخرجات الجامعة. إن الخطوة الأولى والمطلوبة اليوم والضرورية لاستكمال ونجاح عملية ومراحل التغيير المطلوب بالجامعة تتمثل في اختيار وتعيين قيادات إدارية وأكاديمية عليا في الجامعة نزيهة ونظيفة أولاً (خالية من داء الفساد) وتتوافر فيها كافة شروط ومتطلبات التعيين القانونية وتمتلك مهارات القيادة الإدارية والأكاديمية الفعالة, وتمتلك ثقافة التغيير وتؤمن بضرورة القيام به وتجسيده على أرض الواقع في مختلف جوانب ومجالات الأداء الإداري والأكاديمي في الجامعات اليمنية, وتدير مهامها بروح المبادرة والإبداع وليس برد الفعل, وتعمل على دعم وتشجيع ورعاية المبدعين وصناع التغيير من أساتذة وطلاب الجامعة وتمكينهم من نشر وتطبيق إبداعاتهم لتحقيق التطور والنهوض بجامعاتهم وتعزيز قدرتها على مواكبة أحدث التطورات المعاصرة. ولنا حديث قادم حول بقية خطوات ومتطلبات التغيير المطلوب في الجامعة إن شاء الله.. والله من وراء القصد. (*)أستاذ التسويق المساعد جامعة تعز [email protected]