هي وقفة سلمية, رأيتها كذلك.. وفعل احتجاجي حضاري لم تشهد حضرموت لها مثيلاً منذ سنوات عدة خلت، كانت نخبوية من حيث المشاركة, وباذخة من حيث التنظيم, ففيها حضر الأكاديمي والأستاذ الجامعي وشيخ العلم والتربوي والسياسي والمثقف والإعلامي وقادة ووجهاء مجتمع ومهنيون وحرفيون وأعيان وشخصيات اجتماعية وطلاب وشباب طامحون جميعهم انصهروا في بوتقة لوحة رائعة أظهرت وجه حضرموت الحقيقي الناصع الذي ينادي بالتعايش والمساواة والعدالة والانتصار لحقوق ومصالح أبنائها ويرسل رسالة مفادها وقف «عمليات العبث ونهب الثروات وزعزعة الاستقرار وتكريس حالة الاستلاب والإقصاء وانتهاك حقوق وحريات أبناء المحافظة» والرفض القاطع لأي «محاولات لتأبيد اجتياحها واستباحة ثرواتها وقهر أهلها ونسف ما تراكم لها من ثراء حضاري أثرت بألقه المنطقة والعالم». كانت حضرموت حاضرة ببهائها ومكانتها الرفيعة وأحلام أبنائها وتطلعاتهم لرسم المستقبل الجديد و«على قلب واحد» ائتلف إجماع القوى السياسية ومكونات الحراك السلمي والتيارات الفكرية والشبابية في الوقفة الاحتجاجية التعبيرية تحت مظلة مجلس حضرموت الأهلي الأربعاء الماضي في حاضرة حضرموتالمكلا «باتجاه انتزاع حقوقهم المنهوبة والمسلوبة، ومواجهة الأخطار والتحديات، وتحقيق الخلاص من كافة صنوف الحرمان والتهميش والإذلال والاستباحة والاضطهاد، باستخدام الطرق المنضبطة المعبرة عن قيم وأخلاقيات حضرموت». لقد هيمنت على الوقفة الاحتجاجية تداعيات الملفين النفطي والأمني بما يحملانه من قضايا ساخنة ومتشظية وعبث وانتهاك ونكوث واختلال والإشارة إلى التعاضد مع الجهود الخيرة التي تبذل من قبل السلطات المحلية وتخفيف الضغوط عليها، والحد من التدخلات في شئونها، وعدم تغييب حضرموت أو فرض الوصاية عليها. وبهذا الفعل الاحتجاجي السلمي الحضاري كسر نخب حضرموت حالة الصمت والجمود والعزلة، وأرادوا أن يعلنوا موقفاً صريحاً وواضحاً ويقولوا كلمتهم التي لا يريد البعض أن تُعلى أو تُسمع وأن تظل مكبوتة, مغيبة, خافتة, مصادرة من البوح بها, لأنها نابعة من الضمير الصادق والحق الوجداني.. ولكن حضرموت أبت بمختلف تكويناتها وقواها إلا أن تقول هذه المرة بصوت موحد مسموع نطقت بها ألسن وحناجر المحتشدين التي غلبت عليها الوجوه المستبشرة بالأمل والخير من أجل الحاضر والمستقبل «كفااااااااااية». أما المكان فقد اكتسى بالهيبة والوقار، وتصدرت واجهاته وزواياه الأعلام البرتقالية واليافطات المكتوب عليها عبارات دالة كتب في إحداها «حضرموت ليست بقرة حلوباً» وردد الشباب: في الوقفة وحدنا الصوت من أجلك يا حضرموت نعم أخيراً .. حضرموت قالت: «كفاية»!.