قبل حين ألجمت إيران دعاة التصعيد في الإدارة الأمريكية باستجابتها المدروسة لمطالب الوكالة الدولية للطاقة النووية، لكنها بهذه الاستجابة تختلف عن المستجيب المُستسلم، لأنها تدرك أن العهد العالمي الجديد ليس عهداً للأخلاق السياسية أو المرجعيات القانونية الدولية التي يفترض أن تنطبق على الجميع وعلى قدم المساواة . إنها تدرك ذلك بالقدر الذي تؤكد فيه المؤسسة الإرهابية الإسرائيلية على ما تذهب إليه إيران من قناعات، حيث التصريحات الإسرائيلية التي لم يجف مدادها بعد برغم عبور سنوات عليها، حيث هددت باستخدام السلاح النووي ضد الفلسطينيين، وفي ذات الوقت الذي يزداد فيه الإصرار الأمريكي على خلع مخالب وأنياب النظام الإيراني توطئة لتدميره المؤكد كما حدث سابقاً مع نظام صدام حسين. سيناريو الاستهداف الثنائي للعراق وإيران ليس جديداً بل إنه يتقمص الآن طابعاً مُتجدداً ويتوق إلى تحقيق الهدف المرسوم منذ أن بادرت إسرائيل بضرب المفاعل النووي الايراني في مطلع الثمانينيات من القرن المنصرم، ثم حرب الخليج الأولى التي أسدى فيها نظام بغداد خدمة استراتيجية للصهيونية الدولية ومآربها وذلك من خلال إضعاف العراقوإيران معاً. تالياً .. وبعد حرب الخليج الثانية بدأت سياسة الحصار المزدوج ضد العراق وايران .. ولقد نجحت طهران في تفريغ تلك السياسة من مضمونها وتعطيل أهدافها فيما أخفقت بغداد .. والفرق أن الدبلوماسية الايرانية تجيد الكر والفر وتقديم التنازلات الشكلية مقابل الحفاظ على التوازن الداخلي ومصدر القوة الفعلية .. فيما كانت الدبلوماسية العراقية أميل الى الاستعراض والتهور وتقديم الذرائع لليهودية السياسية ومن يدعمها، وهو الأمر الذي أوصل الحال إلى ما نحن عليه الآن . التنازلات الإيرانية تدخل في باب الدبلوماسية الأكثر مرونة والباحثة عن عبقرية الوقت واستمرار الحال كما هو عليه الآن .. ذلك أن إيران تدرك أن استمرار الوضع الحالي لا يخدم الإدارة الأمريكية ولا المؤسسة الإسرائيلية وبالتالي فإنهما سيسعيان إلى خلط الأوراق ما أمكن، والانتقال بالمجابهة والمبادأة الى آفاق جديدة بعد أن تبيّن أن العراق وافغانستان مازالا بعيدين عن تحقيق الأهداف الجوهرية لمُخططي الاحتلال في البلدين. لكن سدنة اليمين الأمريكي يدركون مغزى التكتيكات الإيرانية ولا يحيدون عن مواصلة التصعيد، واجتراح المزيد من المطالب التعجيزية، وصولاً إلى الهدف الأكبر، وهو تقويض إيران الملالي، وإلحاقها بنموذج العراق المتشظي. النموذج المطلوب في العراق ليس مفصولاً عن مخططات اسرائيل في المنطقة والتي مداها تحقيق فعلي لاسرائيل الكبرى على قاعدة الهيمنة الاستراتيجية والاقتصادية على الشرق الأوسط، والتخلص من المُنغصة الفلسطينية عبر دول الجوار المُجْبرة على خيار الانسجام مع النموذج الأمريكي. ذلك هو المخطط السابق اللاحق والذي يتأكد يوماً عن آخر فيما تزداد المؤشرات الكالحة في المنطقة والعالم. [email protected]